مشعل الحارثي
تفضل عليّ أستاذنا الدكتور مبارك بن واصل الحازمي وكيل جامعة الحدود الشمالية للدراسات العليا والبحث العلمي الأسبق وأستاذ الإعلام والاتصال بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة وصاحب العشرات من الكتب والبحوث والدراسات المتخصصة في الإعلام والذي يأسر كل من عرفه بأدبه الرفيع وأخلاقه العالية وتواضعه الجم فأهداني مجموعة من كتبه القيمة والمرجعية، وشدّني من بينها كتابه الذي يحمل عنوان (الإعلام والذكاء الاصطناعي) كونه يمثل حديث العصر ويمس شريحة رجال الإعلام والاتصال في ظل التغيرات والتحولات التقنية التي حدثت خلال العقد المنصرم وألقت بظلها وظلالها على هذا الجانب الحيوي والهام.
ففي (287) صفحة من الحجم العادي ومن خلال ثلاثة أبواب رئيسية تبعها عدد من الفصول تناول المؤلف العديد من العناوين المهمة والموضوعات العلمية والثقافية التي توضح أبعاد هذا التحدي الجديد (الذكاء الاصطناعي) الذي سيمتد أثره لمختلف مجالات الحياة بما فيها مجال الإعلام والاتصال وكشف عن العلاقة بين الذكاء الاصطناعي والإعلام الجديد وأجاب على الكثير من التساؤلات التي تشغل بال الممارسين في هذا المجال، وقد جاء بابه الأول بعنوان الذكاء الاصطناعي وفيه تناول تعريف الذكاء الاصطناعي ومصطلحاته واستراتيجيته الحتمية والتنافسية، وفنون الاتصال والإعلام، وعلاقة الذكاء الاصطناعي باللغات، وفي الباب الثاني الذي يحمل عنوان تقنيات روبوتات الدردشة والذكاء الاصطناعي تناول موضوعات الروبوت والذكاء الاصطناعي، والتطور الرقمي وركائز المستقبل في المملكة العربية السعودية، والرؤية الاستراتيجية، والتحول الرقمي صحفياً وإعلامياً، وفي الباب الثالث الذي جاء بعنوان تقنيات الذكاء الاصطناعي وصناعة الصحافة والإعلام عرج فيه الكتاب على استخدامات وتحديات الذكاء الاصطناعي ودعم الابتكار في العالم العربي، والثورة الصناعية الرابعة.
منوهاً بكلمة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في كلمته بالقمة العالمية للذكاء الاصطناعي في نسختها الأولى التي عقدت في الرياض وتحت رعاية سموه الكريم والتي تعتبر منطلقاً وأساساً لهذه الاستراتيجية ووصفه لمآلات الذكاء الاصطناعي وضروراته عندما قال: (إننا نعيش في زمن الابتكارات العلمية والتقنيات غير المسبوقة وآفاق نمو غير محدودة، ويمكن لهذه التقنيات الجديدة مثل الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء في حال تم استخدامها على النحو الأمثل أن تجنب العالم الكثير من المضار وتجلب للعالم الكثير من الفوائد الضخمة )، ودعوة سموه كافة الحالمين والمبدعين والمستثمرين وقادة الرأي للانضمام للسعودية لبناء اقتصادات المعرفة، حيث قال سموه: (نسعى لأن نصبح ملتقى رئيسياً للعالم في احتضان الذكاء الاصطناعي وتسخير إمكاناته لخير الإنسانية جمعاء، كما نتطلع مع شركائنا لتسريع تبني إمكانات الذكاء الاصطناعي لتحقيق التنمية عام 2030م، الذي سيكون عاماً استثنائياً على العالم لاختبار إمكانيات الذكاء الاصطناعي في الوقت الذي نشهد فيه تشكل حالة عالمية جديدة تعيد تعريف أساليب حياتنا وأعمالنا وتعلمنا، وهذا يدعونا جميعاً للتفكير، والعمل بأقصى إمكاناتنا في سبيل الارتقاء بمجتمعاتنا واقتصاداتنا)، وتأكيد سموه بأن المملكة تسير بخطوات علمية وعملية واثقة لتصبح عاصمة (الذكاء الاصطناعي) في العالم، وأنها ستكون ملتقى رئيسياً في المنطقة والعالم لاحتضان الذكاء الاصطناعي وتسخير قدراته لخير الإنسانية جمعاء.
وفيما يتعلق بالعلاقة ما بين الذكاء الاصطناعي واللغة لفت الدكتور الحازمي الانتباه إلى أنه بالرغم من أن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي حققت تقدما هائلاً على مدار السنوات الماضية وتمكنت من التفوق على البشر في العديد من المجالات: كتشخيص الأمراض، وقيادة السيارات، إلا أنها لا تزال عاجزة عن التفوق عليهم في المجال اللغوي. لكن ذلك لا يعني أن تقنيات الذكاء الاصطناعي المتخصصة بمجال اللغات ضعيفة، بل على العكس تماماً فالآلات قادرة على ترجمة كميات كبيرة من النصوص في وقت قصير وإجراء محادثات بسيطة وإعداد نصوص مكتوبة، وتنفيذ عدد متنوع من المهام التي تُسهل حياتنا اليومية بشكل كبير. لكن بالرغم من ذلك، يقول الخبراء إن الوقت لا يزال مبكراً جداً للاعتماد بشكل كلي على تقنية الذكاء الاصطناعي في مجال اللغة. ولأن البشر كانوا ولا يزالون العنصر الأساسي في منظومة اللغة، وسيبقون كذلك في المستقبل القريب. لهذا قد يكون من السابق لأوانه الاعتماد بشكل كامل على تقنيات الذكاء الاصطناعي في المجال اللغوي.
وعن صحافة الذكاء الاصطناعي أشار الدكتور مبارك الحازمي إلى أن هذا المصطلح يعتبر مصطلحاً آخر جديداً لم يتطرق له الكثيرون وسوف يحل محل صحافة المواطن ويتواكب مع تقنيات الثورة الصناعية الرابعة، حيث تسعى وسائل الإعلام إلى توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي والثورة الصناعية الرابعة على أكمل وجه.
موضحاً أنه كأحد أوجه «صحافة الذكاء الاصطناعي»، بدأت وكالة رويترز للأخبار بالفعل أولى الخطوات في تمكين تقنيات الذكاء الاصطناعي من أداء مهام معينة في صناعة الخبر، فقد تم بناء «غرفة الأخبار الإلكترونية» تسمى «Lynx Insight» حيث يتم الاعتماد عليه من قبل الصحفيين في تنظيم الأخبار وجمعها من مصادر الإنترنت، واقتراح الأفكار، وتحليل البيانات، وحتى كتابة جمل كاملة إذا لزم الأمر.
كما تحدث الدكتور الحازمي عن مستقبل الذكاء الاصطناعي في مجال الإعلام الجديد بصفة عامة وقال: هناك تسونامي رقمي يلوح في الأفق الصحفي، ويقترب بسرعة يعرف باسم الذكاء الاصطناعي، وستشهد المرحلة المقبلة تزايد استخدام التكنولوجيا الذكية في العمل الصحفي التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي للتفاعل بطريقة أكثر ذكاءً مع الأشخاص، والمناطق المحيطة.
وتمثل هذه التطورات - كما يرى بعض الباحثين- تهديداً للصحافة والإعلام الرقمي، لأن استخدام تكنولوجيا الكتابة، والتقارير الآلية، من المحتمل أن تؤدي إلى تراجع إضافي لدور الإنسان الصحفي في ظل سياسات جديدة للمؤسسات الإعلامية الساعية إلى مزيد من تدابير خفض التكاليف، لكن الاتجاه الإيجابي السائد يرى أن تطورات تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في مجال الإعلام الرقمي ستوفر للصحفيين المبدعين، وقادة الصحافة والإعلام الرقمي فرصة لإعادة تنظيم ممارسة العمل الصحفي باستخدام هذه التقنيات الناشئة التي ستضفي كفاءات أكبر في غرف الأخبار، وتحسن مهارة، وكفاءة، وجودة إنتاجية الصحفي، والمؤسسة الإعلامية، وستكون الهيمنة لمن يملك السبق من وسائل الإعلام في استقصاء وتطويع تطبيقات الذكاء الاصطناعي لصالحها.
وعن الجدل المحتدم حول مستقبل الإعلاميين في ظل أنظمة الذكاء الاصطناعي أكد المؤلف الدكتور مبارك الحازمي أنه برغم وجود اتفاق على أهمية أنظمة الذكاء الاصطناعي المستخدمة في صناعة الإعلام في عمليات إنتاج الأخبار، وقبل ذلك اختيارها وتقييمها ومعالجتها، إلا أن هناك خلافاً على تأثيرها المستقبلي على العنصر البشري في الإعلام وهل ستحل محله؟ وهل ستساعده وتفرغه لمهام أكثر أهمية؟ الإجابة المؤكدة أن الذكاء البشري، كما يرى الخبراء، سيستمر دوماً بالتفوق على الذكاء الاصطناعي في هذه الأمور وغيرها، نظراً إلى أن الأخير هو من صنع الأول، لأن الذكاء البشري يمتلك خليطاً متقدماً وهائلاً ومعقداً من مهارات التفكير المنطقي، والاستنتاج متعدد المستويات، والمنظومات الأخلاقية والضوابط السلوكية، والوعي لنوازع الخير والشر، والاتصال متعدد الأوجه، والشعور تحت مختلف الظروف، وتقييم المشكلات والمخاطر الاستباقية، والإدراك العاطفي، والتفاعل الاجتماعي، والبديهة غير المتوقعة، والتأويلات الإبداعية، والملاحظات النقدية، وهي مهارات لا يمتلكها الذكاء الاصطناعي مثل فاعلية البشر.