خالد بن حمد المالك
لم نشاهد إرهاباً موثقاً بالدليل القاطع، وبهذا المستوى، كإرهاب إسرائيل في غزة، ولم نرَ ما يماثله في حجم القتلى وسفك الدماء، مدعوماً من الولايات المتحدة الأمريكية ودول القارة العجوز، فنحن أمام عمل وحشي غير مسبوق، حيث لا يفرق القتلة الإسرائيليون بين طفل ومسن، وبين رجل وامرأة من المدنيين في هذه الحرب الظالمة في حق الفلسطينيين.
* *
حتى الكنائس والمستشفيات والمدارس والمساجد لم تسلم من هذا العدوان الظالم، فضلاً عن الأبراج السكنية التي يتم مساواتها بالأرض بمن يقيم ساكناً فيها، بانتهاك فاضح للقانون الدولي الإنساني، بينما تواصل أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وغيرها في دعم عدوان إسرائيل بالسلاح والعتاد، والحماية السياسية، وتشجيعها على مواصلة هذه السلسلة من الضربات الجوية المدمرة.
* *
أكثر من أربعة آلاف مدني فلسطيني قتلوا في هذا العدوان، وأكثر من اثني عشر ألفاً تعرضوا لإصابات، وهناك أعداد كبيرة في حكم المفقودين تحت أنقاض المباني السكنية، ومع ذلك تمنع أمريكا بـ(الفيتو) إيقاف القتال، أو الاتفاق على هدنة ولو مؤقتة، بل إنها تشجع تل أبيب، وتعطيها الضوء الأخضر لإنذار الفلسطينيين بإخلاء الجزء الشمالي من غزة، ومثله إخلاء مستشفى القدس من المرضى، ومدارس الإيواء، ويبرئ رئيسها جو بايدن ساحة إسرائيل (دون دليل) في تفجير مستشفى (المعمداني)، مخلفاً 500 قتيل، وعشرات الجرحى، مع أن الدليل على تورطها ثابت وموجود لدى واشنطن في الأقمار الصناعية، وكذلك قصفها كنيسة برقيريوس، حيث قتل وأصيب عدد ممن كان فيها.
* *
أمريكا ودول أوروبا ترسل الأسلحة جوًّا لقتل الفلسطينيين، وتضع المدمرات وحاملات الطائرات والجنود في جهوزية عالية لدخول الحرب مع إسرائيل، إذا ما تطلب الأمر ذلك، ويتسابق قادتها لزيارة إسرائيل تعضيداً ودعماً لها، لا لاحتواء التطورات، وليس لإطلاق عملية السلام، وصولاً إلى تحقيق خيار الدولتين، وإنما لإنهاء القضية الفلسطينية وتصفيتها، وبناء نظام أمني إسرائيلي جديد بعد تهجير سكان غزة، وربما الضفة الغربية المحتلة.
* *
هذا التطهير العرقي، والعقاب الجماعي، ما كانت إسرائيل لتقدم عليه، لولا أن أمريكا أعطت لتل أبيب ترخيصاً لهذه المجازر، ولهذا الانتقام غير الإنساني، بدليل أن الذخائر والقنابل والمعدات والمال يتم إرسالها إلى تل أبيب جوًّا للإسراع في إنجاز الإبادة الجماعية، وتطهير غزة من سكانها، بدلاً من إلزام إسرائيل بوقف أعمالها الإجرامية فوراً، والبحث عن السلام المفقود.
* *
وهذه الكارثة الإنسانية المتمثلة في قتل المدنيين إن لم يتركوا غزة، في تهجير قسري تتآمر فيه أمريكا ودول الغرب مع إسرائيل، إنما يلقي ظلالاً من الشك في نوايا أمريكا والغرب منذ قيام إسرائيل وإلى اليوم، فما يجري الآن والحرب تدخل أسبوعها الثالث بين إسرائيل وداعميها من جهة وحماس من جهة أخرى، إنما يؤكد أن خيار الدولتين ليس خياراً لديها، وأن لا دولة فلسطينية قادمة، وبالتالي فليس أمام الفلسطينيين إلا الاستمرار في التضحيات لمواجهة هذه المؤامرة الكبرى.
* *
المطلوب من الفلسطينيين، والعرب، والمسلمين، وأحرار العالم، الانضمام إلى صوت العقل والحكمة والرؤية الصحيحة، صوت الأمير محمد بن سلمان في موقفه الواضح من هذا الصراع، فقد حدد للعالم خطوات السلام، ومعالجة أسباب هذه الحرب وما قبلها من حروب، بما لا خيار عن هذه الخطوات، ولا بديل لها، ولا سلام بدونها، وعلى أمريكا وإسرائيل ودول النفاق، أن تتعلم، وتتلمس الطريق الصحيح، وتستفيد من الدرس، فما قاله ولي العهد، أكد عليه قادة العالم ممن لم يتورطوا في المستنقع الأمريكي- الإسرائيلي- الأوروبي، فهل من مجيب؟