عبدالله إبراهيم الكعيد
عرفت هذا المصطلح لأول مرّة أثناء قراءتي لكتاب (صناعة السعادة، كيف باعت لنا الحكومات والشركات الكبرى الرفاهية؟) للكاتب الأمريكي ويليام ديفيز منشورات سلسلة المعرفة.
في الفصل السابع من الكتاب وتحت عنوان الحياة داخل المختبر يُشير الكاتب إلى صناعة الإعلان على أسس علمية وأورد مثالاً على ذلك إلى ريادة وكالة جيمس والتر تومبسون التي بدأت في عشرينيات القرن الماضي انتهاج أسلوب استهداف المستهلكين بطرق علمية استناداً على التقانات المستخدمة في جمع وتسجيل ثم تحليل الخصائص النفسية للبشر مثل الدراسات المسحية والاستقصائية. وكيفية التأثير في الأفراد من خلال تلك التقانات لدفعهم إلى الشراء.
وكالات استخبارات المستهلكين (حسب الكتاب) لم يقتصر عملها آنذاك على ملاحظة الناس في العلن، أو طلب آراء عامة كما كانت المجلاّت المتخصصة تفعل بعض الأحيان بل بمستوى جديد من الحميميّة مع المستهلك، بمعنى مراقبة ربة المنزل داخل بيتها على سبيل المثال إذ لا يكفي معرفة ما يدور في اذهان الناس أو ما يقولونه عن المنتجات. إنهم يريدون كذلك رؤية تلك المنتجات داخل البيت. هذه المعرفة لا تتحقق إلاّ من خلال درجة من التلصص وتوجيه أسئلة شخصية بعض الشيء كما يقول ويليام ديفيز.
في السابق وأثناء قيام الباحثون في شركات الإعلان العملاقة بجمع المعلومات المتعلقة بقياس وتحليل سيكولوجية المستهلكين وسلوكهم الاستهلاكي كانوا يواجهون المشقة والعنت، أما اليوم فلا حاجة إلى كل ذلك العناء. لا حاجة أيضا للاستعانة بوكالات استخبارات المستهلكين، إذ يمكن جمع أو حتى شراء أدق تفاصيل الناس أياً كانت مواقعهم الجغرافية أو شرائحهم الاجتماعية/ العلمية/ العُمرية وكذلك معرفة معتقداتهم/ ميولهم الاستهلاكية/ أذواقهم إلى آخر تلك التفاصيل. كل هذا يوجد في مخازن معلومات المنصات والتطبيقات وقوائم البريد الإلكتروني على الشبكة العنكبوتية. وهذه المعلومات التفصيليّة قام بتدوينها طوعاً كل مشترك في تلك البرامج المجانية أو مدفوعة الثمن.
بهذا (كانت) وكالات الإعلان العملاقة تقوم بتوجيه حملاتها الإعلانية إلى الجمهور المستهدف بدقّة. ثم حدث ما لم يدر بخلد صنّاع الإعلان. دخلت منصات السوشيال ميديًا على الخط وأربكت صناعتهم إن لم يكن قوضت أركانها بسحب البساط من تحت إقدامهم. جعلت منصاتها مساحات إعلانية لكل مُعلن مهما كانت السلعة أو الخدمات المقدّمة. ثم اقتحم المشهد الإعلاني من يسمون أنفسهم بالمشاهير. فسارعت الشركات المنتجة للسلع والخدمات إلى استقطابهم ليس بسبب جودة المحتوى الذي يقدمونه، بل بعدد المتابعين لهم.
فقد الإعلان مصداقيته وربما انعكس سلبًا على ترويج السلع والخدمات. الإعلان صناعة معقدة وليست تهريج وفهلوة.