فهد عبدالعزيز الكليب
تُمر علينا اليوم الذكرى التاسعة لتولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- وأمد في عمره مقاليد الحكم السعودي الذي يزداد مع كل ذكرى مهابة وقوةً وأمناً وعزةً ورسوخاً ونماءً، واستقراراً، وسؤدداً -ولله الحمد والمنة- لذا تتسارع الخطى في البناء والتنمية، وتتعمّق جذور الوحدة الوطنية واللحمة بين القيادة والقاعدة إلى أبعد مداها متانة ومحبة وولاءً وطاعةً وإخلاصاً وانسجاماً ليس له مثيل في التاريخ الحديث والمعاصر.
إن البيعة في المُلْكِ السعودي بيعة دعوة سلمية عمادها التوحيد والسمع والطاعة، لم يتنازعها عبر تاريخها الطويل نزاعات أو صراعات أو قتال كما حدث في بعض الممالك والدول عبر التاريخ، إذ إن المُلْكَ وهو أعلى منصب في هرم الدولة لم يكن في يوم من الأيام مطلباً، أو غاية من النفس، أو رغبة جامحة، أو لذة عابرة، إنما في تكوين بنية أساس الحكم السعودي تكليف، وقدر، ومسؤولية، وأمانة ثقيلة عظيمة الشأن والقدر.
والبيعة مصطلح ديني سياسي عرفه المسلمون منذ بيعة (العقبة الأولى) في مكة المكرمة، وما تلاها من بيعات على مر التاريخ الإسلامي، كما أن هذه البيعة لها أساس في دولة المدينة المنورة التي أسسها الرسول - صلى الله عليه وسلم- وخلفاؤه من بعده، وتشكل البيعة في مفهوم المُلْكِ السعودي منهج الحكم الإسلامي الواضح، إذ يمثِّل عقداً سياسياً ملزماً بين الحاكم والمحكوم والملك والرعية، وهي فكرة إسلامية عظيمة الشأن، وهي تعد رأس الشرعية، وهي صيغة واضحة وصريحة للحكم، وقد احتفظ بها المُلْكُ السعودي منذ تأسيسه الأول وحتى يومنا الحاضر في دورة المُلْكِ السعودي منذ دخل الملك عبدالعزيز الرياض عام 1319هـ (1902م)، وهي الدولة الأوحد التي ما زالت تحتفظ بهذا الركن الأساس منذ تأسيسها الأول كارتكاز وأساس للحكم والمُلْكِ على المستويين الديني والمدني. والرسول - عليه الصلاة والسلام - استعمل كلمة: (من في رقبته بيعة) مما يدل على أنها عقد بين الحاكم والمحكوم لا يشبه في مضامينه وبنوده العقود المدنية الحديثة، لأن البيعة بمثابة حبل معقود حول المبايعة، لا يجوز شرعاً فكه والتحلّل منه إلا بشروط حددها الشرع الإسلامي، وقد تخلت عن البيعة الدولة الإسلامية الحديثة والمعاصرة بعد تبنيها لأنظمة وقوانين قائمة على فلسفة غربية، وقد بدأت أول بيعة تاريخية في الدولة الإسلامية الأولى بما يُعرف باتفاق الدرعية بين الإمامين المحمدين: محمد بن سعود، ومحمد بن عبدالوهاب، ثم استمرت البيعة لأئمة الدولة السعودية الأولى والثانية والثالثة التي أسست هذا النهج بإعلان مراسيم البيعة بالإجماع دونما تأخير أو تعطيل أو اختلاف أو حدوث أية نزاعات أو صراعات داخل البيت السعودي الحاكم، حيث يأتي الإعلان بعد إعلان نبأ ونعي وفاة الملك رسمياً وحتى قبل مراسيم تشييعه والصلاة عليه ودفنه.
واليوم نحتفل بالذكرى التاسعة لمبايعة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- والذكرى المائة والسادسة والعشرين في تاريخ البيعة لملوك المملكة العربية السعودية وفي تأصيل شرعي قائم في الأساس على شرعية الدولة، واختصاص مسؤوليات الحكم في أبناء الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن -طيَّب الله ثراه- وأبناء الأبناء ويُبايع الأصلح منهم للحكم على كتاب الله تعالى وسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، «حسب المادة الخامسة من النظام الأساسي للحكم»، والتي أضيف إليها: ولا يكون من بعد أبناء الملك المؤسس ملكاً وولياً للعهد من فرع واحد من ذرية الملك المؤسس حسب التعديل في الأمر الملكي رقم (1-256)، وتاريخ 26-9-1438هـ الذي أصدره خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله-.
ولقد شهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله - جميع مشاهد البيعة لجميع ملوك المملكة العربية السعودية منذ عهد الملك سعود حتى عهد الملك عبدالله باعتباره أميراً لعاصمة المملكة الرياض، مقر انعقاد البيعة في (قصر الحكم) العريق بمشاهد البيعة التي ليس لها مثيل أو نظير في التاريخ المعاصر والحديث منذ دخول المؤسس الملك عبدالعزيز - رحمه الله - قاعدة ملكة وإعلان أول بيعة في التاريخ السعودي الحديث في الخامس من شوال 1319هـ، في أجمل صور التلاحم والوحدة والولاء المطلق بين القيادة والقاعدة أساسها المحبة، والتفاهم، والانسجام، والمودة، والولاء، وصدق الانتماء.
اسأل الله أن يديم علينا نعمة الإسلام ونعمة القيادة وأن يحفظ لنا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وولي عهده الأمير محمد بن سلمان أعواماً عديدة وأزمة مديدة.