د.شريف بن محمد الأتربي
على مدار الأيام القليلة الماضية تابع العالم - ولا يزال يتابع- الأحداث الدامية التي تجري على أرض فلسطين الحبيبة، وكيف تقوم آلة الحرب العمياء بالفتك بكل ما هو حي دون رادع أو رقيب، ويزداد الوضع سوءًا حين تقوم وسائل الإعلام بالميل ناحية طرف دون الآخر لتظهر للعالم -وبسوء قصد- أن المعتدي هو الضحية، بل من المؤسف أن تقوم بعض هذه الوسائل بفبركة الأخبار واصطناعها لتحقيق مكاسب إعلامية لها ولمن تدعمه في هذا القتال الخاسر للجميع.
ومع ازدياد رقعة التناحر والقتال في شتى بقاع الأرض يطل علينا من الطرف الآخر مصطلح الوعي المعلوماتي والذي يعتبر العمل به بصيص نور في ظلمة نفق تزوير واصطناع المعلومة والخبر بشكل احترافي حتى تكاد شمس الحقائق تغرب ويأفل نور اليقين بضرورة نصر الحق وإظهاره، حتى لو كان المقابل خسارة بعض من كنا نعتبرهم في الماضي أصدقاء.
ورغم ارتباط مصطلح الوعي المعلوماتي بمجال عمل المكتبات والمعلومات؛ إلا أنه يتسع ليشمل جوانب أكبر داخل المجتمعات المتقدمة، حيث تمثل قدرة الفرد على الوصول للمعلومة الصحيحة، واستخدامها في الوقت المناسب واحدة من أهم التحديات في تعليم وتأهيل الطلبة منذ بدايات العملية التعليمية، بل لعلي أرى ذلك هو لب هذه العملية وهدفها الأسمى، فمجتمع مغيَّب أو جاهل معلوماتيًا، هو مجتمع يمكن السيطرة عليه بسهولة حتى ولو من جهال يملكون نصف الحقيقة.
تبنت منظمة اليونسكو (UNESCO) في إعلان براغ تعريف مفهوم الوعي المعلوماتي ضمن التعلم مدى الحياة ليعني: «تحديد الحاجات والاهتمامات المعلوماتية والقدرة على تحديد مكانها وتقييمها وتنظيمها وخلقها بكفاءة واستخدامها والاتصال بالمعلومات لمعالجة القضايا والمشاكل، فهو شرط المشاركة في مجتمع المعلومات وجزء أساسي من حقوق الإنسان للتعلم مدى الحياة»
عرفت اللجنة الرئاسية للوعي المعلوماتي Presidential Committee of Information Literacy التابعة لجمعية المكتبات الأميركية ALA عام 1989 الشخص الواعي معلوماتيًا بأنه: «إن الشخص الواعي معلوماتياً هو القادر على إدراك متى يحتاج للمعلومات ولديه القدرة على تحديد مكانها وتقييمها واستخدامها. فهو الشخص الذي تعلم كيف يتعلم Learned How to Learn، وهو يعرف كيف يتعلم لأنه يعرف كيف يصل إلى المعلومات ويستخدمها بطريقة يستطيع أن يتعلم منها الآخرون».
عرف قاموس المكتبات والمعلومات على الخط المباشر ODLIS: Online Dictionary of Library الجزيرة Information عام 2003 الوعي المعلوماتي بأنه: «هو اكتساب مهارة الوصول للمعلومات التي يحتاجها وفهم كيفية تنظيم مصادر المعلومات في المكتبات وإعداد المعلومات وأدوات البحث الإلكترونية واستخدام التقنية في عمليات البحث وتقييم المعلومات والاستفادة منها بفاعلية وفهم البنى التحتية للتقنية التي تعد أساس نقل المعلومات وتأثير العوامل الاجتماعية والسياسية والثقافية على ذلك».
مع غياب الرقابة الأسرية أو شبه انعدامها؛ وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي بكل أشكالها وأنواعها وأطيافها؛ أصبح أبناء المجتمع فريسة سهلة للوقوع في براثن وشباك المتربصين بهم، خاصة مع سرعة وكثرة الأحداث على مستوى العالم والإقليم والدولة، حيث تعمد هذه الوسائل إلى نفث السم في العسل، وتزوير وقلب الحقائق لإظهار الباطل حقًا، وقلب الحق باطلاً، فأصبح العمل على تنمية الوعي المعلوماتي لدى هؤلاء الأبناء مطلباً ملحاً، بل هو المطلب الرئيس حاليًا ضمن متطلبات التعليم، وحتى يتحقق هذا المطلب فنحن نحتاج إلى التركيز في التعليم على تنمية العديد من المهارات من أبرزها: الوصول للمعرفة وإدارة المعلومات، التفكير الناقد وحل المشكلات، التواصل الفعال، التحليل والتقويم والقياس، وغيرها من المهارات المساعدة على تنشئة جيل واعٍ معلوماتيًا، قادر على الصمود ومواجهة الهجمات المعرفية المضللة من قبل أعداء هذه الأمة.