د. محمد بن أحمد غروي
أنهت عاصمة القمم، الرياض، قمتها الخليجية مع رابطة آسيان ببيان توافقي مشترك من 42 بندًا، تصب في مسار التنمية السعودي ورؤيتها 2030 والتي تضمنت أولوية للاستدامة والتنمية البيئية والحد من التغير المناخي وتعزيز السلم من خلال الحوار بين الحضارات والتعايش وزيادة الوعي بالتقاليد والتراث والثقافات بين الجانبين وتعزيز الابتكار وريادة الأعمال ودعم قطاعات الاستثمار والرياضة والسياحة وغيرها.
تدرك القيادة السعودية أهمية رابطة جنوب شرق آسيا التي أضحت مركز اهتمام عالمي بحكم موقعها الجيوسياسي، فالقوى الكبرى تسعى لاستمالتها سياسيًا والتعاون معها اقتصاديًا والسعي لتوافق سياسي في القضايا العالمية، فهي سادس أكبر تجمع اقتصادي عالمي كما تربط المملكة بتلك المنطقة العديد من المشتركات.
كلمة ولي العهد لخصت اهتمام المملكة بتحقيق أقصى استفادة مشتركة بين التكتلين من الموارد اللوجستية والبنى التحتية وتعزيز التعاون في المجالات ذات العلاقة والتواصل الثقافي بين شعوبها وإقامة الشراكات المتنوعة بين قطاعات الأعمال التي تحقق المستهدفات والرؤى التي تطمح لها دول الخليج العربي والأرخبيل لمستقبل أفضل يسوده الازدهار والتقدم.
أوجه التشابه بين رابطة آسيان ومجلس التعاون الخليجي عديدة، فموقعهما الجيوسياسي جعل منهما محط أنظار العالم وتجاذب القوى الكبرى، فلدول الخليج أهمية جغرافية وإستراتيجية واقتصادية كبيرة. ومن الناحية الإستراتيجية تطل دول الخليج على مضائق تشكل شريانًا رئيسيًا في حركة التجارة الدولية، واقتصاديًا تمتلك أكبر احتياطي نفط في العالم، النهم العالمي المتنامي على الطاقة.
تزداد الأهمية الجيوسياسية لمنطقة جنوب شرق آسيا مؤخرًا نظرًا لما أحرزته من نمو اقتصادي بارز، والموقع الجغرافي المطل على بحر الصين والمحيطين الهندي والهادي أكسبها أهمية أكبر، إذ تشكل تلك الممرات المائية مسارًا رئيسيًا في حركة التجارة العالمية، حيث تعبر من خلالها تريليونات الدولارات من السلع، متضمنًا احتياطًا نفطيًا وغازيًا ضخمًا.
هناك رغبة حقيقية آسيوية في تطوير علاقاتها مع المملكة ودول الخليج العربي اتضحت من خلال توافد أعلى هرم السلطة من دول الجنوب الشرقي الآسيوي للقمة والتفاعل الدبلوماسي والإعلامي غير المسبوق.
من خلال متابعتي لوسائل الإعلام المحلية في الأرخبيل، كان هناك تفاؤل من النخب والمحللين والمراقبين في الآسيان بالقمة التاريخية وحضور جميع زعماء دول آسيان باستثناء ميانمار -لتعليق مشاركتها- واللقاءات التي عقدوها مع سمو ولي العهد، حيث رأت في القمة مرحلة جديدة متفائلين بإقرار خطة العمل المشترك الذي يعزز من التعاون في مختلف المجالات.
رغم الإرادة السياسية ومجالس التنسيق المشتركة والطاولات المستديرة التي تسعى بجد واجتهاد في تطوير واكتشاف سبل التعاون بيننا وبين دول آسيان إلا أنه لا بُد من تكثيف دول التواصل الإعلامي المباشر، فمن خلال دراسات سابقة يؤثر الإعلام الغربي بشكل مباشر على مصادر الأخبار في الأرخبيل ناقلًا وجهة نظره فيما يتعلق بقضايا المملكة والمنطقة بشكل عام والتي تتعارض مع رأي المملكة في قضاياها.
قمة الرياض هي نقطة تحول مفصلية ومركز انطلاق للتقارب بين الكتلتين لرفع مستوى العلاقات سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا وإعلاميًا، حيث إن للإعلام الدولي دورًا مهمًا لما يتمتع به من سرعة للتواصل ونقل المعلومات وانتشارها، ولا بُدّ من جسر تواصل إعلامي يكسر حاجز اللغة والثقافة، وحاجز الفارق الزمني دون وقوف حارس بوابة غربي يؤطر الخبر.
ومن خلال عملي في بلاد آسيان لعقد من الزمان، أعتقد أننا بحاجة ماسة إلى دراسات أكثر عن الآسيان وتواصل إعلامي فعال وإشراك للإعلاميين والمثقفين في الأرخبيل أكثر من أي وقت مضى. فنحن على أعتاب مرحلة تكامل خليجي آسيوي دقت من خلالها قمة الرياض جرس شراكة يُحتذى بها عالميًا.