محمد سليمان العنقري
أحداث غزة مأساة إنسانية لا تصفها الكلمات فإسرائيل تستخدم العقاب الجماعي لأهل غزة البالغ عددهم ما يفوق مليوني نسمة وذلك رداً على هجمات تعرضت لها قبل أسبوعين، والواقع أن هذا القطاع يعاني من حصار إسرائيلي منذ 2006 وتعد هذه الحرب الرابعة التي تتعرض لها غزة خلال خمسة عشر عاماً ورغم أن المعاناة الاقتصادية والإنسانية كبيرة بالقطاع لكن سكانه كانوا يبحثون عن الاستقرار والأمن قبل كل شيء فنسبة البطالة 45 بالمائة وجل سكانه يعتمدون على المساعدات الغذائية المقدمة من منظمات وجهات متعددة ويعد القطاع أيضاً الأعلى كثافة سكانية بالعالم لكن اليوم هو يواجه أصعب مراحل صدامهم مع دولة محتلة استخدمت كل الأسلحة الفتاكة ضد شعب أعزل ولم تبق شيئاً لم تقصفه مما تسبب بهجرة 1.4 مليون نسمة ليسكنوا المدارس ومخيمات ضمن القطاع وكذلك في المستشفيات وحولها وكل مكان معروف أنه يمنع استهدافه بحسب القوانين الدولية
وبما أن غزة هي العنوان الأول بوسائل الإعلام، بل والوحيد في كثير منها فمن الطبيعي أن يكون التفاعل مع هذا الحدث الجلل كبيراً وخصوصاً أن دولة غاصبة مثل إسرائيل لا تحتاج إلى أي مبرر لكي تقصف فلسطيني الداخل وتتمنى تهجيرهم وفي هذه العملية التي فاق الرد فيها كل التوقعات من قبل تل أبيب ورافق عملياتها العسكرية تصريحات إعلامية نارية تنذر بدمار شامل للقطاع مع تأييد من قوى غربية على رأسها أميركا مما وفر غطاءً سياسياً لعملياتها البشعة وجرائمها التي تجاوزت بها كل القوانين الدولية فجل القتلى في غزة من الأطفال والنساء، وهو ما يوضح أن العمل هو بمثابة إبادة جماعية وسياسة أرض محروقة والنتائج ستكون كارثية وأثرها لسنوات طويلة، لكن اللافت هو ليس التعاطف العربي مع أهل غزة فهذا أمر بديهي ورد فعل طبيعي لكن استمرار الخطاب الشعبوي الانفعالي وتحديداً من طبقة المثقفين ممن لهم تأثير على خطاب الشعوب، فهو الأمر السلبي، فكما يُقال لم يجر أي تغيير أو تحديث لهذا الخطاب بقضية فلسطين منذ بدايتها قبل 75 عاماً وحقيقة أغلب قضايا الأمة العربية تعاني من مشكلة هذا الخطاب الذي يهدف فقط لإلهاب المشاعر عند العامة دون أن يقدم أي جرعة توعية بالواقع والنظر إلى كيفية التعامل معها فمثل هذه الأحداث تستهدف منها إسرائيل زعزعة استقرار الدول العربية بشكل عام ولذلك لا بد أن تكون الشعوب واعية لما يجري وأي طرح لمواجهة العدو يفترض أن يكون من خلال قراءة الواقع وبما لا يمس مصالح بلادك فقوة الدول العربية والحفاظ على مكتسباتها عامل دعم لمواجهة المخاطر الجيوسياسية فلو أن الدول العربية التي تعد بخط المواجهة مع إسرائيل ركزت على التنمية لكانت بوضع يسمح لها بهيمنة واسعة على نسب كبيرة من حجم الاقتصاد بالمنطقة ولأصبحت إسرائيل كياناً محدود الأثر بالمنطقة ولتوسعت مصالح القوى الكبرى مع كل الدول العربية بما يحد من هذا الدعم الذي حصلت عليه إسرائيل لأن الغرب يبحث أولاً وأخيراً عن مصالحه.
ومن المطالبات الشعبوية التي سمعناها من شريحة واسعة ببعض الدول العربية المطالبة بإيقاف تصدير النفط لداعمي إسرائيل اعتقاداً بأن ذلك سيضطرهم لإجبارها على وقف العدوان، بل يعتقدون أن النفط الذي يصدر للغرب يعيدون تصدير بعضه لإسرائيل والحقيقة أن هذا الطرح السطحي يحمل وجهين الأول خبيث من شريحة مثقفين تنتمي لإيديولوجيات كارهة لاستقرار الدول المنتجة للنفط وتتمنى خلق مشكلة بعلاقاتها الدولية والوجه الآخر من شريحة تردد ذات المطالبات دون إدراك لخطورة مثل هذا التوجه فإذا كان الحديث عن إسرائيل ومن أين تستورد احتياجها من النفط فهي تستورد يومياً 220 ألف برميل تأتيها من دول ليس منها أميركا ولا أوروبا الغربية فجله وبحدود 98 بالمئة يأتيها من كازاخستان وغرب إفريقيا وأذربيجان والبرازيل أما أين تتجه صادرات النفط العربي والخليجي تحديداً فجلها تذهب للصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية والعديد من دول آسيا وهم الشركاء الأكبر بالتجارة مع دول الخليج فأي قطع للإمدادات سيضر شركاءنا ولن يؤثر على أميركا التي تعد أكبر منتج للنفط والسوائل النفطية عالمياً وكذلك الغاز وما تحتاجه لتغطية احتياجها تستورد جله من الدول المجاورة لها المكسيك وكندا ومؤخراً فنزويلا ولا تختلف أوروبا عنها كثيراً كما أن قطع إمدادات النفط يحوله لأداة سياسية وليس سلعة اقتصادية تدعم نمو الاقتصاد العالمي فالخسائر على العرب عموماً كبيرة من مثل هذا الاتجاه وهو ما لا يعيه جل من يطلق هذه الشعارات والمطالبات فالنفط يدعم التنمية بالعالم العربي، حيث يعمل أكثر من عشرة ملايين مواطن عربي في دول الخليج ويعولون ما يقارب خمسين مليون مواطن عربي في دول ضعيفة تنموياً كما تمثّل حوالاتهم لدولهم أهم مصادر العملة الأجنبية التي تدعم استقرار عملات دولهم بخلاف إنفاقهم الذي يساهم بتنشيط اقتصاداتهم ولعب دور مهم بالنمو الاقتصادي وتوليد فرص العمل إضافة إلى التبادل التجاري مع دول الخليج التي تعد الشريك التجاري الأول لأغلب الدول العربية إضافة لتمويل مشاريع تنموية قدمتها صناديق خليجية حكومية في الدول العربية كبناء المستشفيات والمدارس والطرق والمرافق الحيوية مع إيداع ودائع مليارية بالبنوك المركزية لدول عربية لدعم استقرار اقتصاد تلك الدول ومنح مالية في حالات معينة والعديد من سبل الدعم والاستفادة التي انعكست على تلك الدول من موارد النفط على مدى عقود طويلة فدول الليج أكبر من دعم التنمية بالعالم العربي والشواهد كثيرة لكن الخطاب الشعبوي الذي سيطر على فكر وثقافة تلك الشعوب غيبت عنهم حجم الفائدة التي تحققت لهم من الدور المشرف لدول الخليج بدعم استقرار الدول العربية
دون وعي وإدراك للواقع العالمي ومعرفة بدور المواطن العربي في دعم تنمية واستقرار دولهم لن يتطور الخطاب الفكري والثقافي الذي يساهم بلعب دور معزز لتوجهات الدول بمواجهة مخاطر الأحداث السياسية والأزمات الاقتصادية فمن الغريب الاندفاع لتأييد مطالبات أو فهم خاطئ لما يدور بالعالم وأين تتجه الدول نحو المستقبل والانجراف العاطفي الذي لم ولن يحقق أي نجاح في مواجهة أي أزمة أو حدث بالشرق الأوسط.