مها محمد الشريف
لا تحتاج إسرائيل إلى ذرائع لتشن حرباً على الشعب الفلسطيني الأعزل؛ فهي تخترع الأسباب لذلك، فقد اندلعت الحرب التي خُطط لها منذ زمن طويل، حرب أكثر دموية وقودها الدين، والقومية اليهودية اليوم هي معول هذه الحرب. فمع عودة نتنياهو الدرامية مع اليمين المتطرف أبهجت مؤيديه في القدس: وهلل بذلك الفوز قائلاً «نحن قريبون من نصر كبير».
كلما كان الدين هو دافع الحرب بين البشر ستظل حرباً تتوارثها لأجيال، وتسعى إسرائيل حالياً إلى استغلال أحداث غزة الأخيرة لفرض أمر واقع خططوا له منذ زمن بعيد. وقال مسؤولون في الجيش والصناعة الأميركيين إن حرب إسرائيل مع حماس أحيت اهتمام الولايات المتحدة الخامل بإنتاج ذخائر لنظام الدفاع الصاروخي الإسرائيلي القبة الحديدية، وهو تطور من شأنه أن يساعد حليفاً إقليمياً للولايات المتحدة على إعادة الإمداد للصراعات.
إن أصحاب القوة والسلطان في هذا العصر صانعي آلة الموت، لذبح ذلك المستضعف، واحتلال أرضه، فالصراع العربي الإسرائيلي صراع طويل تختلط فيه السياسة بالدين، والأحداث شاهداً حياً لتاريخ الصراع وجغرافية الأرض، فهو بلا شك صراع دولي يضيق الخناق على المنطقة بحروب شاملة ومواجهات شرسة تعيق سبل السلام والحلول السياسية بين العرب واليهود على حد سواء.
ومع استمرار التوترات تعمل المملكة العربية السعودية من أجل السلم، وتشجب الحروب، وإعادة الحقوق للفلسطينيين وعلى إسرائيل أن تلتزم بالمواثيق الدولية، عوضاً عن التدمير وإرسال الأسلحة الثقيلة والجديدة فالسلام أمل كل شعوب العالم، وعودة أقدم صراع إلى المنطقة ليس من مصلحة الجميع، وطرح الحلول الدبلوماسية مطلب أساسي، بعدما سادت الحرب وأخذت منحى آخر، وأخفت بين سطورها، الكثير من النوايا التي تتولد منها الحروب الاستعمارية على المستوى العالمي لتجرب قوتها أو لتحقق مصالح دولة على أخرى، فمتى تتوقف آلة الحرب الإسرائيلية ضد فلسطين؟
هناك من يدفع الزمن إلى الخلف ليقف بجانب الخطر ويبذل قصارى جهده لطمس الحقائق، ولا يكف معظمهم عن الحديث عن الانتصارات التي صاحبت الحرب القومية اليهودية، فالشواهد التاريخية التي عاصرت وقائع الحرب، وسياسة الهيمنة تتسلط على شعب أعزل وتكتب العناوين كيفما شاءت، وعلى نحو جاد في تحمل المسؤولية فإن الدفع نحو التهدئة ووضع حد للاعتداءات الدامية وتفعيل عملية السلام في الشرق الأوسط، وإيجاد تسوية عاجلة للصراع الممتد منذ عقود، بمشاركة إقليمية ودولية.
وهكذا يبقي الزمن المضطرب يسير خلف المنتفعين من تلك الصراعات، إلا أن ثمة أمراً مهماً لا يمكن التقليل من شأنه هو الوقوف بقوة ضد تهجير الشعب الفلسطيني خارج أرضه، ولن يحتاج الأمر لحشد الجيوش والأساطيل الأمريكية التي حشدتها منذ أسابيع في البحر أمر لا يراد منه سوى تغذية وسائل الإعلام بصورة تشهد على عظمة القوة العسكرية، أمر لا يُراد منه سوى التلويح بالحرب لا غير، فعندما قامت حركة «حماس» بالهجوم كانت ردة الفعل عنيفة دامية ومؤثّرة.
فمنذ 7 أكتوبر شاهد العالم «حصيلة مفجعة» لضحايا فلسطين في غزة والضفة راح ضحيتها 5000 من المدنيين الأبرياء، فالحرب أمست واقعاً متحققاً في العقول المخططة لها، وهناك من يتطلع بفارغ الصبر للشروع في هذه الحرب، كما شاعت الصور الوافية عن نوع من أسلحة متطورة لا تخطئ الهدف، فهل تشن هذه الحرب ضد دكتاتور مروع أرسل كم صاروخ على الحدود؟
كل الأسئلة لا طائل منها، فغطرسة الدولة العظمى تعطي الجواب على كل الأسئلة، ومع هذا فإن كل إنسان يدرك أو يتكهن بأن الأمر يدور حول صراع دامي ينذر بتفجير العلاقات بين إسرائيل ودول الجوار العربي خصوصاً مصر والأردن ولبنان وربما سوريا أيضاً، فقد أثبتت المعطيات أن النيَّة السلطوية أماطت اللثام عن وجهها دونما خجل وبتكبر صار يشكل تخطيطاً قد جرى إحكامه يقترب في بعض جوانبه من صفقة القرن التي بشر بها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، يحركها الواقع العملي لمخططات تاريخية لتوطين الفلسطينيين خارج أرضهم الأصلية في محاولة لحل الصراع على حساب الأرض العربية تكراراً لنكبة عام 1948 ونكسة عام 1967 .