د. فهد صالح عبدالله السلطان
تسمع بين الفينة والأخرى عن نجاح مؤسسة ما ونموها وتراجع مؤسسة أخرى وفشلها، بل ربما خروجها من السوق في عامها الأول.. ويبقى السؤال: لماذا أخفقت هذه ونجحت تلك؟ ومع إيماننا بأن إرادة الله فوق كل الأسباب إلا أننا نؤمن أيضاً بأن هناك أسباباً مادية حالت دون نجاح واستمرار هذه وساهمت في تفوق ونمو واستمرار الأخرى.
في بيئات العمل المتقدمة ومن بينها بيئة الأعمال في المملكة -ولله الحمد - يتم عادة معرفة اتجاه ومسار المؤسسات واستشراف مستقبلها من خلال تحليل منهجي لعدد من مكوناتها وفق معايير محددة.
وكما أن الإنسان يرتاد المستشفى عندما يشعر بالاعتلال ومن ثم يخضع للتشخيص المهني لمعرفة وضعه الصحي الحالي وتحديد الوضع المرغوب فإن المنظمات أيضاً تخضع في برامج إعادة الهيكلة إلى تحليل وتشخيص شامل يتم فيه تحليل وضع المنظمة الحالي مقارنة بالوضع المرغوب أو المستهدف وتحديد الفجوة ومن ثم تجسيرها.
الفرق هنا أن البشر من صنع أحسن الخالقين الذي أبدع في خلقه. أما المؤسسات فهي من صنع البشر الذين يعتريهم النقص وعدم الكمال، فيبقى المخلوق الأول سليماً طالما لم يتم إفساده وينشأ المصنوع الثاني هزيلاً إذا أسس ضعيفاً، ويستمر حتى يسقط ما لم يتم تقويمه. ومن هنا فإن عملية التأسيس تبقى هي الأصل وهي الفيصل في نجاح ونمو واستمرار المؤسسات المدنية سواءً ربحية أو غير ربحية.
في كتابه البناء من أجل الاستمرار (Built To Last) الذي صدر في العقد الأخير من القرن الماضي وأصبح من أكثر الكتب مبيعاً في العالم، وجد الكاتب الأمر يكي جيم كولن أن أهم الأسباب التي تقف وراء نجاح الشركات واستمرارها هو كونها مبنية على منهج مؤسسي يحافظ على استمراريتها ونمائها مهما تغيَّرت إداراتها وتبدلت أحوالها.
منذ قراءتي للكتاب قبل عقدين من الزمن وأنا أحاول فهم أسباب تعثر بعض المؤسسات أثناء مراحل نموها، وفي كل حالة يتأكد لي صحة ما توصل إليه الباحث كولين من نتائج.
واستناداً على أدبيات علم الإدارة والدراسات المنهجية والبحثية التي قام بها الخبراء في هذا المجال وتجربة الفقير إلى ربه في دراسة كثير من الحالات فإنه يمكن القول إن تأسيس وإنشاء المؤسسات والشركات دون الاستناد إلى منهج مهني عملي ربما يؤدي إلى سرعة تراجع أدائها وتعثرها أو خروجها من السوق التي توجد فيه، ولذا فإن أهم مرحلة في نمو المنظمة واستمرارها هي مرحلة التأسيس. وعليه فقد يكون من المناسب تذكير المبادرين ورواد الأعمال في وطننا الكريم وحيثما كانوا بالتركيز على هذه المرحلة والاهتمام بها، واتباع منهج مؤسسي في مرحلة التأسيس يشمل فيما يشمله ما يلي:
- نموذج عمل (Business Model)
- نموذج تشغيلي (TOM)
- إطار حوكمة (GRC)
- أدوات قياس الأداء (KPIs or OKRs)
وباختصار فإن الأولوية في إنشاء الشركات التجارية والمؤسسات غير الربحية يجب أن تكون لمرحلة البناء والتأسيس التي يعتبر التركيز عليها محوراً في نجاح المؤسسة واستمرارها ومساهمتها في نمو وازدهار الاقتصاد الوطني وفي برامج التنمية الوطنية لأي بلد.