خالد بن حمد المالك
مع هذه التطورات والمستجدات التي تمر بها القضية الفلسطينية، وإصرار إسرائيل مدعومةً من الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية المؤثرة على عدوانها، دون القبول بأي وساطات أو مبادرات لإيقاف عقابها الجماعي للشعب الفلسطيني، وإصرارها على اجتياح غزة من البر والجو والبحر، بعد أن هجّرت المواطنين من شمال القطاع إلى جنوبه، وأعلنت أن قطاع غزة لن يكون بعد انتهاء الغزو كما هو عليه اليوم. مع هذه التطورات آن لنا أن نقدّم قراءةً للموقف السعودي الشجاع والثابت في التعامل مع هذه التطورات، حتى لا ننسى مع كثرة القرارات والمبادرات الإقليمية والدولية، الجهدَ الأكبر الذي بذلته المملكة وما زالت لتطويق هذا العدوان الغاشم.
* *
فمنذ بدء هذه التطورات غير المسبوقة من الفصائل الفلسطينية ومن إسرائيل، وتداخل ما يجري مع مواقف أمريكية داعمة بشكل أعمى لإسرائيل، بما في ذلك استخدامها للفيتو في مجلس الأمن لإبطال أي مشروع قرار يمنع إسرائيل من الاستمرار في قتل الفلسطينيين وتهجيرهم، ومنع الدواء والغذاء والمحروقات عنهم، منذ بداية هذه التطورات كان رأي المملكة، ممثلة بمجلس الوزراء برئاسة خادم الحرمين الشريفين، وتصريحات ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وما تحدَّث به وزير الخارجية في عدد من الاجتماعات العربية والدولية، أن توقف إسرائيل عدوانها، وترفع الحصار عن غزة، ووقف العملية البرية، والبدء بخطوات جادة لإحلال السلام في المنطقة، بالتركيز على أصل المشكلة، وهو حرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه المشروعة بإقامة دولته على أراضيه، تكون قابلة للحياة وعاصمتها القدس الشرقية.
* *
وجاء موقف المملكة الرافض وبشكل قطعي للعملية البرية الإسرائيلية في قطاع غزة، لما سوف يترتب عليه من احتمالية جرّ المنطقة لحالة من التصعيد غير المسبوقة، وقد تصل تداعياتها إلى الأمن والسلم الدوليين، ووفق ما هو معلن، فقد كان دور المملكة فاعلاً منذ بدء الأزمة، حيث واصلت جهودها مع الأطراف المؤثرة والفاعلة كافة لخفض التصعيد، وضرورة حماية المدنيين، ورفع المعاناة عنهم، وإيصال المساعدات الإنسانية والإغاثية، ورفض التهجير القسري للفلسطينيين، ضمن مواقفها الثابتة إلى جانب الشعب الفلسطيني الشقيق المتضرر من هذه الأزمة.
* *
والمملكة كما هو واضح لمن يتابع نشاطها في هذا الشأن، فقد ظهر قلقها البالغ واستياؤها الشديد، وخاصة مع نوايا إسرائيل في اجتياح غزة، وهو ما يعني بحسب فهم قيادة المملكة أنَّ تطوراً وتصعيداً خطيراً من شأنه أن يعجّل بدخول المنطقة دوامة عنف لا تنتهي، وبالتالي لن تنحصر عواقبها في المنطقة فحسب، بقدر ما سيتعرض الأمن والسلم الدوليان لتداعيات خطيرة وخيمة.
* *
ومن ضمن هذا الاهتمام من قيادة المملكة في تطويق هذه الأزمة، وإيجاد مخرج سلمي لها، كانت دعوة المملكة منذ وقت مبكر إلى الوقف الفوري لهذه العملية، تجنباً لتفاقم الأوضاع الإنسانية، وكذلك مطالبتها المبكرة بإيقاف إطلاق النار من جميع الأطراف حمايةً للمدنيين، ورفع المعاناة عنهم، وإدخال المساعدات الضرورية والعاجلة للمتضررين منهم، والتأكيد على رفض التهجير القسري لها، وهو -مع شديد الأسف- ما لم يجد القبول من إسرائيل ومن الداعمين لها في مواقفها المتهورة، وعلى رأس هؤلاء الولايات المتحدة الأمريكية.
* *
والمملكة ضمن رؤيتها السلمية لإيجاد حلول للمشكلة، ترى أن المجتمع الدولي، وتحديداً مجلس الأمن هو اليوم أمام تحدٍّ حقيقي، ومسؤولية أخلاقية، تختبر فاعليته ومقدرته على وضع نهاية للقضايا والنزاعات العسكرية، وهو كما ترى قيادة المملكة مدعوٌّ لتبني قرار عاجل وفوري وملزم لوقف إطلاق النار، وتجنيب المدنيين ويلات النزاع القائم، ومن المؤكد أن الرياض لن تكتفي بذلك، وإنما سوف تواصل دورها مع جميع الأطراف المؤثرة والفاعلة وذات الصلة للعمل على خفض حالة التصعيد، بما يمنع مواصلة تدهور الأوضاع الإنسانية للشعب الفلسطيني، وإيصال المساعدات الإنسانية والإغاثية لهم.
* *
هذه هي المملكة، وبعض ما هو معلن من عمل دؤوب، وعلى العالم أن يصغي لكلام الحكماء، ويأخذ المشورة منهم، فالقتال لن يحقق السلام في المنطقة، وتالياً في العالم، وإنما إقرار الحقوق الفلسطينية، ومنع إسرائيل من الاستحواذ على مزيد من أراضيهم، والعمل على إقامة دولتهم وعاصمتها القدس الشرقية، وما عدا ذلك، فلن تكون إسرائيل في مأمن من تكرار ما قامت به الفصائل الفلسطينية، بحثاً عن حقوق مشروعة، تصر إسرائيل على حرمانهم منها.