عبدالرحمن الحبيب
تناول المراقبون هذا الشهر أعمال البنك الدولي خلال عقد اجتماعاته الخريفية السنوية مع صندوق النقد الدولي في مراكش، حيث تأمل هذه المؤسسة التي يبلغ عمرها 80 عامًا تقريبًا في التوصل إلى اتفاق بشأن خطة رئيسية للإصلاح، والتي ستشمل توسيع نطاق عملياتها وإعطاء الأولوية لأهداف تغير المناخ، فيما يرى المنتقدون أن الإصلاح قد طال انتظاره، وأن أولوياته قد لا تتوافق مع أوليات الدول النامية..
تتناول مجلة فورين بوليسي خطط تمويل البنك، وثقافة الحوكمة، وسجله في التخفيف من حدة الفقر، لدراسة التحديات التي تواجهها المؤسسة وكيفية إصلاحها. وطرحت خلال ذلك مجموعة من آراء الخبراء. فالكاتب الأمريكي هوارد دبليو فرينش يرى أن تخفيف حدة الفقر في الأجزاء الأضعف اقتصادياً في العالم سوف يتطلب إعطاء الفقراء مقعداً حقيقياً على الطاولة، وهو ما لم يفعله البنك الدولي قط. وذلك في مقالة بعنوان «البنك الدولي لا يزال يخذل الفقراء».
«لن ينجح البنك الدولي قبل أن يسحب الغرب ثقله» هذا عنوان مقال كتبه ديفيش كابور (مدير برامج آسيا) موضحاً أن البنك لا يملك ما يكفي من المال لتحقيق أهدافه، إلا إذا أصبح أكثر إبداعاً في ميزانيته العمومية. كما كتبت زينب عثمان من مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي في واشنطن أنه يتعين على البنك الدولي أن يفعل المزيد بموارد أقل، وسيتعين على الرئيس القادم للمنظمة معالجة مجموعة متزايدة من القضايا مع تقلص قاعدة رأس المال. أناستاسيا موران المسؤولة في لجنة الإنقاذ الدولية عنونت مقالها «النيجر تحذير للبنك الدولي» موضحة أن التمويل الدولي يحتاج إلى قواعد جديدة للتعامل مع الأزمات بينما يعقد البنك اجتماعاته السنوية..
عودة إلى مقال فرينش الذي كتب بأن هناك حقيقتين ينبغي أن تلوح في الأفق فوق كل حقيقتين عندما نفكر في البنك الدولي بينما يختتم اجتماعاته السنوية التي تكاد تكون طقوسية في واشنطن. الأول هو أن رئيسها القادم، أجاي بانجا الأميركي المولود في الهند والرئيس التنفيذي لشركة ماستركارد منذ فترة طويلة، كان «المرشح» الوحيد لهذا المنصب. واتباعاً لتقليد البنك، رشحت الولايات المتحدة بانجا، والمقصود من استخدام علامة المزدوجين هنا هو التأكيد على أنه لم يكن هناك أي نقاش عام على الإطلاق حول من سيكون الأنسب لقيادة بنك التنمية متعدد الجنسيات، ولا أي نقاش مفتوح حول أولويات البنك واستراتيجيته البنك أو قيادته. إن خبرة بانجا في مجال بطاقات الائتمان هائلة، ولكن ليس واضحًا كيف يعده ذلك لوظيفته الجديدة المختلفة تمامًا.
هذا يقودنا إلى الشيء الكبير الثاني الذي يجب أخذه بعين الاعتبار فيما يتعلق بالبنك الدولي، هناك تنافر يصم الآذان بين الإجراءات غير الديمقراطية التي تتبعها هذه المؤسسة التي يهيمن عليها الغرب وبين انحياز الغرب التقليدي الواضح لصالح الحكم الديمقراطي في تعاملاته مع ما كان يُعرف منذ فترة طويلة بالعالم الثالث. يمكن القول بطبيعة الحال أن أفضل ما يمكن أن يقوله المرء عن دفاع الغرب التاريخي عن الديمقراطية في الجنوب العالمي هو إنه كان غير متسق إلى حدٍّ كبير، ومع ذلك، فإن المشكلة المرتبطة بالافتقار إلى الديمقراطية في إدارة البنك الدولي تتعلق بما هو أكثر بكثير من هذا النفاق الغريب.
لقد قرر الغرب، بقيادة الولايات المتحدة، أن قضية تغير المناخ لابد أن تكون الأولوية القصوى للبنك الدولي. ويمثل هذا تحولاً جذرياً لم يأخذ في الاعتبار أولويات معظم عملائها في عشرات من البلدان بأغلبية ساحقة تقع في فخ الفقر أو في الحد الأدنى من حالة الدخل المتوسط. إن مثل هذا التحول الجذري في أجندة البنك يمثل نوعاً آخر من السلوك المناهض للديمقراطية من جانب المؤسسة، وهو السلوك الذي يفرض أولويات الدول الغنية فقط. ويوضح فرينش أن هذا الانتقاد ليس لإنكار التهديد الذي يفرضه تغير المناخ، وخاصة بالنسبة لسكان العالم الأكثر فقراً وضعفاً. المشكلة في ثقافة إدارة البنك الدولي هي أن طبيعته غير الديمقراطية تسمح للبنك وأقربائه الذين أنشأهم الغرب، مثل صندوق النقد الدولي، بالتأرجح على هذا النحو كل عقد أو عقدين من الزمن.. ولا تواجه أبداً أي مساءلة بشأن عملها وتأثيرها في جميع أنحاء العالم. هذا المثال يساعد في نقل العواقب المترتبة على هذا في العالم الحقيقي بالنسبة للعديد من البلدان الفقيرة التي تعتمد على الإقراض من البنك، وليس الهبات أو المساعدات، كما يعتقد الرأي العام الغربي خطأً لتمويل أجنداتها التنموية.
ويختم فرينش بأنه على مدى عقدين من الزمن قبل تعيين بانجا، كانت الأولوية المعلنة للبنك هي تخفيف حدة الفقر، وقد حظي هذا بترحيب كبير في إفريقيا ومناطق أخرى من العالم حيث توجد تجمعات كبيرة من السكان الفقراء أو ذوي الدخل المنخفض. ولكن يلحظ بوضوح أن التركيز الفعلي للبنك على الحد من الفقر كان غير متسق إلى حد كبير، مثل نقاد التلفزيون الذين يطلقون ادعاءات ويطلقون تنبؤات كل يوم، ويعرفون أنهم لن تتم محاسبتهم أمام مشاهديهم أبداً.. للأسف، البنك يبذل جهداً ضئيلاً في الترويج لمراجعة عامة شفافة وصارمة لأدائه.