أ.د.عثمان بن صالح العامر
لعِظم شأن الأمن في حياة الشعوب وحفظ الوطن، ولشدة وقع الخوف على البشر، ولخطورة أثر الإعلام في الاستقرار المحتمعي والبناء التنموي، لذلك كله تولى الله عز وجل أرشادنا نحن إذا جاءنا شيء من ذلك، فقال عزَّ من قائل عليم {وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً}، في آية وحدة رسم لنا الرب عز وجل منهج حياة في مثل الحال التي نحن فيها اليوم. ولذلك واجب علينا نحن في المملكة العربية السعودية خلاف من هم في أتون المعركة ووسط الميدان أن تكون مرجعيتنا إزاء ما يدور من أحداث دموية على أرض غزة الحبيبة فيما يسمى (طوفان الأقصى) ثلاثية الأبعاد:
- القرآن الكريم الذي بين لنا بكل شفافية ووضوح معالم الشخصية اليهودية، وحذّرنا منها، وحثنا على إعداد ما استطعنا لمنازلتها، لأنها باختصار لن ترضى عنا يومًا ما حتى نتخلى عن ديننا ونتبع ملتهم، ليس هذا فحسب بل هم يعدون أنفسهم شعب الله المختار، ونحن عبيدًا لهم، ودولتهم من الفرات إلى النيل.
- أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم وأفعاله وتقريراته؛ وهو عليه الصلاة والسلام من جمع الله له بين الرسالة والسياسة، ففي الوقت الذي بعثه الله رسولاً بهذا الدين العظيم للناس عامة، هو حاكم سياسي وقائد عسكري ومخطط اقتصادي ومصلح اجتماعي، واجه اليهود والنصارى والكفار والمشركين والمنافقين جميعًا، ومرت عليه مرحلتان (مكية، ومدنية) ضعف في الأولى، وقوة في الثانية، بعد تكون دولة الإسلام، واستخلاص الدروس والعبر من هذه وتلك، ورسم إستراتيجية التعامل مع ما يجد من أحداث سياسية وعسكرية واقتصادية على ضوء المرجعية الدينية المستلخصة من الوحيين القرآن والسنة موكل بها علماء الأمة الربانيين، فهم أهل الذكر الذين ندبنا الله لسؤالهم حين تكون الرؤية لدينا ضبابية إزاء أمر ما، أو أننا لا ندري ماذا نفعل أو نقول ونتصرف {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}.
- أولي الأمر، الساسة الذين بايعناهم على السمع والطاعة في المنشط والمكره، في العسر واليسر، وألا ننازع الأمر أهله، وذلك لأنهم هم من يدرك عواقب الأمور، ويعرف أبعاد التحركات الدبلوماسية والعسكرية ويقرؤون الواقع وما قد تؤل إليه الأمور، ويعون جيداً تداعيات التصريحات والكلمات فضلاً عمّا هو فوق ذلك، ولديهم معلومات واسعة عن حجم القوات، فإذا كان العالم الرباني يمتلك ناصية المرجعية الدينية ويأصل لنا ويبين على ضوء ما في النص من دلالات كيف لنا أن نتصرف، فالسياسي يعطينا موشرات الواقع، وتداعيات المستقبل، ويحدد لمن هم تحت ولايته خارطة الطريق في التعاطي مع ما يستجد من أحداث أياً كانت.
- كما أن الآية أنكرت علينا اللهث وراء الأخبار الموجهة بقصد التضليل والتغرير، والتحليلات السياسية المشبوهة، والقراءات المغرضة التي تسعى إلى زعزعة الثقة بولاة أمرنا وعلمائنا والطعن في رموزنا ومواقفهم من قضايا أمتنا الإسلامية، سعياً وراء شق الصف الواحد، وإفساد النفوس المتألفة، وبث روح التشاؤم فينا.
- نعم لقد حذرنا الله عز وجل في هذه الآية من التسرع في إطلاق الأحكام والتسابق في طرح الآراء وسوق الاتهامات ونقل الإشاعات، فعن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كفى بالمرء أن يحدث بكل ما سمع»، وفي الصحيحين عن المغيرة بن شعبة: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قيل وقال) أي: الإكثار من الحديث عما يقول الناس من غير تثبت، ولا تدبر، ولا تبيُّن. وفي سنن أبي داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بئس مطية الرجل زعموا عليه». وفي الصحيح: «من حدث بحديث وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين». فاللهم انصر المسلمين في غزة واحقن دماءهم واحفظ أعراضهم وممتلكاتهم، وسدد رميهم ويسر أمرهم وكن لهم ناصراً ومعيناً ومؤيداً وظهيراً، وإلى لقاء والسلام.