بدر بن عبدالمحسن المقحم
في ظل جمود عملية السلام وضرب إسرائيل بعرض الحائط كل القرارات الدولية الداعية لإنصاف الشعب الفلسطيني وإقامة دولته المستقلة القابلة للحياة كباقي دول العالم وتحقيق السلام الدائم والشامل في المنطقة، والحصار المفروض على قطاع غزة منذ سبعة عشر عامًا والسكوت المريع والمريب من رعاة هذه العملية لكل تصرفات الكيان الصهيوني والدفع بإسرائيل لأن تمارس سياسات البطش والقمع ضد الشعب الفلسطيني الأعزل وبأبشع صور الإبادة وجرائم الحرب، قامت مجموعة من الفصائل الفلسطينية بهجوم مباغت على المستوطنات المحيطة بغزة والمقدر عددها بخمسين مستوطنة يوم السبت 22 ربيع الأول 1445هجرية الموافق 7 أكتوبر2023م مستخدمة في ذلك أسلحة خفيفة ورجال مدربين من أجل فك الحصار عن القطاع واستعاده بعض صور الحياة المحطمة أصلاً بفعل الآلة الإسرائيلية وهجماتها المتكررة منذ عقود خلت، إلا أن هذا العمل تمت مجابهته بردة فعل عسكريه قوية وقصف بريري من إسرائيل وبمختلف الأسلحة البرية والجوية والبحرية موقعة بذلك خسائر ضخمة في صفوف الفلسطينيين في قطاع غزة على وجه التحديد التي يبلغ عدد سكانها (2.2) مليون نسمة ثم الضفة الغربية مما تسبب في سقوط مئات الضحايا وألوف الجرحى وكم هائل من الدمار في الممتلكات والبنى التحتية جراء ذلك العدوان، ولأن كانت غزة هي التي تكبدت معظم تلك الخسائر وأكثرها إلا أنها لازالت تقاوم هذه العمليات العسكرية بتصميم وضراوة، والغريب في الأمر أن مجلس الأمن لم يحرك ساكنًا ولم يصدر عنه أي قرار بسبب الفيتو الأمريكي أو عدم توفر النصاب المطلوب لتمرير أي قرار عند تصويته وهو تسعة أصوات على الأقل، بل إن الأمر وصل بفرنسا أن تعلن وعلى لسان رئيسها/ ماكرون إقامة تحالف ضد القطاع برمته لاجتثاث سكانه من الوجود والعمل على التهجير القسري لهم إلى شبه جزيرة سيناء المصرية، أن هذه الأحداث المأساوية دعت المملكة العربية السعودية وعلى الفور إلى الاستنكار الحاد وبأشد العبارات لهذه الممارسات الإسرائيلية الهمجية وضرورة وقف أطلاق النار وفتح ممرات إنسانية لإيصال الغذاء والدواء ورفض التهجير القسري للشعب الفلسطيني والأخذ بحل الدولتين، وذلك يإقامة الفلسطينيين دولتهم المستقلة في الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967م وعاصمتها القدس الشريف على اعتبار أن هذا هو السبيل الوحيد لاستقرار المنطقة وأمنها، كما المملكة شاركت مشاركة فعالة في كل المؤتمرات الطائة التي عقدت لهذا الغرض خليجيًا وعربيًا وإسلاميًا ودوليًا.
إن السلوك الإسرائيلي وعدم انصياعه للقرارات الدولية ومبادرة السلام العربية لعام 2002م وعداوته الجينية للسلام مع العرب وتوفير الغطاء الدولي الآمن لسلوكه اللاإنساني وبالذات من الطرف الأمريكي يدل على أن إسرائيل غير راغبة في السلام مع شعوب المنطقة وأنها تبحث عن كل أسباب الدخول في المزيد من الحروب ضد الفلسطينيين والدول العربية لاستنزاف مقدراتها، ومكافحة أي تنمية عربية حقيقية، والاستمرار في تنفيذ سياسة الفوضى الخلاقة الخاصة بالإدارة الأمريكية التي بدأتها بإسقاط بغداد عام 2003م، وكأن هناك ثمة تناغمًا فكريًا وسياسيًا بين من أوجد تلك السياسة (أي الفوضى الخلاقة) ووكلائها في المنطقة، على أنني لا أعتقد أن هذا الأمر محصور في حيز قطاع عزة فحسب الذي تقدر مساحته بـ(365) كيلو مترًا مربعًا، ولكن المضي قدمًا في الاستيلاء كل ما تبقى من أراضي فلسطين التاريخية وإشعال حرائق خارجها كي تصل شرارته إلى أبعد بقعة عربية من الأراضي المحتلة لتأكل تلك الشرارات الأخضر واليابس وتجلب الدمار والاضطرابات للمنطقة كما حدث لبعض الأقطار العربية إبان فترات الربيع العربي. وعليه لابد من اليقظة العربية وشحذ الهمم لمواجهة هذا المخطط التدميري وذلك بتكاتف الجهود العربية والإسلامية ضد سياسات المحتل الإسرائيلي وبكل الوسائل الممكنة والقيام بحملة دولية على المستويين الدبلوماسي والإعلامي لتعرية هذا الكيان في الساحة العالمية وتكثيف الاتصالات مع أعضاء مجلس الأمن كي ينهضوا بمسؤولياتهم تجاه القضية الفلسطينية، وتأسيس لوبي قوي وفعال في عواصم القرار المهمة دوليًا كي يمارس هذا اللوبي دور المؤثر في مراكز صنع القرار فيها، مع إتاحة الفرصة لكل مراكز الدراسات والأبحاث في العالمين العربي والإسلامي لتنوير شعوب العالم بعدالة هذه القضية المركزية وحشد التأييد لها والتأكيد لكل من يهمه الأمر في المجتمع الدولي أن عدم تحقيق العدالة للفلسطينيين في قضيتهم التي هي القضية المركزية للجميع يعني أن الثمن سيكون باهظًا.