الأدب مرآة تعكس فيه حياة المجتمع، والأدب العربي قديمه وحديثه ترجمان الأمة العربية ولسان حالها، وهو لا يختلف في جزء منه عن الصحافة والإعلام في عصرنا الحاضر.
الأدب صورة ومادة، ولكن صورة الأدب ليست هي الأسلوب الجامد، وليست هي اللغة، بل هي عملية داخلية في قلب العمل الأدبي لتشكيل مادته وإبراز مقوماته، ونحن لا نصف الصورة بأنها عملية، بل نشير بذلك إلى الجهد الذي يبذله الأديب في تصوير المادة وتشكيلها، بل لما تتصف به الصورة نفسها في داخل العمل الأدبي نفسه، فهي حركة متصلة في قلب العمل الأدبي.
إن مضمون الأدب في جوهره أحداث تعكس مواقف ووقائع اجتماعية، والصورة الأدبية أو الصياغية عملية لتشكيل هذا المضمون وإبراز عناصره وتنمية مقوماته.
الأدب ليس قواعد جامدة، أو صيغاً معزولة من الحياة والواقع، أو خطباً وعظية تثقلها النصوص والأحكام، ولكنه صورة جميلة متطورة، تتزين بما يزيدها جمالاً وجلالاً، ويجعلها أقوى تأثيراً وفاعلية، ولا يستنكف الأديب أن يبتكر الجديد النافع والقديم الصالح، والحياة دائماً في تجدد وتطور، وكذلك الإنسان وأساليب حياته العملية والعلمية والترفيهية، على أن يظل الأدب في نطاق القيم الأصيلة، ملتزماً بجوهرها وغايتها.
الأدب أدب الضمير الحي، والوجدان السليم، التصور الصحيح، الخيال البناء، والعواطف المستقيمة، الأدب صياغة لغوية جمالية مؤثرة تعبر عن التجربة الإنسانية، يتأثر بالواقع المعاش، ويرصد ما يخلفه من أثر في نفس الأديب، يحيث يكون قادراً على إمتاع الملتقي وإدهاشه، وهذا يؤكد طبيعة الأدب اللغوية، إضافة إلى اهتمامه بجانب المتعة أو الأثر الذي يحدثه الأدب على نقل الخبرة الإنسانية، لأن الأدب هو في الواقع تعبير راقٍ عن المشاعر والأفكار والآراء والخبرة الإنسانية.
لقد ميز الله تعالى الإنسان على سائر المخلوقات بالعقل، والعقل هو مصدر التفكير، وأياً كانت اللغة أو الوسيلة التي يستعملها الفرد، فهي تنقل إلى العقل ليحللها ويفسرها إلى التفكير الإبداعي.
ولما كان التفكير مطلباً أساسياً في تقدم الإنسان وتطوره منذ بدء الخليقة حتى نهايتها، كان لا بد من مواكبته لكل عصر من العصور.
الإنسان يعاني من الكثير ولكنه لا يجيد التعبير إلا عن القليل، فالمعاناة تتفاعل في وجدان المفكر فيقلبها بعقله، فتصهر فؤاده حتى يكاد يذوب، وتمزق أحشاءه من الداخل حتى تكاد تنفطر، لكنه بعد تعبيره عن مكنونات النفس، نجده قد استسلم للسكون والاسترخاء، فتغمره السكينة ويشعر بالارتياح، حيث التعبير من مكنونات النفس البشرية إما يكون شعراً يقرضه الشاعر في قصائده أو نثراً يسطره الأديب بأسلوبه أو لوحة يرسمها الفنان بريشته أو تمثالاً يشكله النحاتون بأصابعهم، أما إذا كان التعبير فكرياً، فغالباً ما ينطق به المفكر بلسانه، أو ينطلق به يراعه، فيثري الإنسان بقرائحه، وهنا يتم اللقاء بين الفكر والأديب.
وما دام الفكر ومعه التفكير ينسب بصورة حتمية إلى الإنسان، فلا عجب من كنز الطاقات الإبداعية التي لا تنضب، هنا يظهر الأدب من التفكير الإنساني في شكل من أشكال الكلام البليغ الصادر عن عاطفة المؤثر في النفوس أو التعبير من تجربة إنسانية بلغة تصويره.