د. حامد بن مالح الشمري
الإعلام الأمريكي يصول ويجول في العالم وفق أفضل التقنيات والأساليب الإعلامية الجاذبة والمخادعة لتسويق الأفكار والخطط، فنجده تارة يوجه إمكاناته كافة لخدمة مصالح وهيمنة ومطامع أمريكا الإستراتيجية، وتارة يأخذ شكل التهويل والتضخيم وترويض العقول. ولعل المتابع للإعلام الأمريكي الصهيوني يعرف الإستراتيجية التي يقوم عليها هذا الإعلام النافذ، فهو يقوم على استخدام أساليب متنوعة للترويج والتأثير على العقول من أجل تضخيم الحدث إعلامياً والخداع والتلاعب بالعقول، وترويض وإقناع الرأي العالمي وكسب تعاطفهم لتبرير وتقوية موقف أمريكا وحلفائها تجاه القضية أو الهدف الذي تم إقراره في دهاليز اتخاذ القرار الأمريكي وجعل المجتمع الدولي يقبل بالأمر الواقع، وهذه الحملة الإعلامية المكثفة تسبق البدء رسمياً في اتخاذ خطوات تنفيذية. الإعلام الأمريكي يواصل دعمه الكبير للحرب التي تقودها إسرائيل وبدعم كامل من أمريكا وحلفائها الأوروبيين ضد الشعب الفلسطيني، كما فعل ذلك في أحداث وحروب سابقة، بالرغم أن الإعلام الأمريكي فقد مصداقيته بسبب عدم الحياد والمصداقية والاستقلالية والموضوعية فيما ينشره في وسائل الإعلام كافة، وهذا ما برهنته الأحداث الراهنة في غزة، حيث حرصت وسائل الإعلام الأمريكي في تبني ودعم الروايات الصهيونية حول ما حدث بحق سكان المستوطنات الإسرائيلية من قطع رؤوس الأطفال والنساء، ولا يُستغرب من الصهاينة الترويج وافتعال الكذب والمكر وتزييف التاريخ والحقائق أو حتى القيام بالتنفيذ الفعلي بجثث الصهاينة في الحرب لتأكيد صحة روايتهم، بالرغم من دحض وتكذيب تلك الروايات المختلقة والتي ثبت زيفها لاحقًا وما تبعها من هجوم صهيوني أمريكي على سكان قطاع غزة من قتل وتدمير غير مسبوق؛ ومع كل ذلك لا يزال الإعلام الأمريكي يروج وينشر الروايات الصهيونية في حربهم في غزة، واستغلال الصهاينة الهولوكوست للتقوي بالأمريكي والأوروبي لحماية مجتمع اللفيف والشتات على أرض فلسطين.
والحقيقة أن الإعلام الأمريكي جزء أساسي من العملية السياسية الأمريكية، فهو المصدر والقوة الأساسية لخدمة قضايا ومصالح أمريكا. وكما يعرف الجميع بأن اليهود أصبح لهم نفوذ قوي في كل الدوائر السياسية الأمريكية من خلال سيطرتهم على المال والقنوات الأخبارية والصحف الأمريكية، ومن هذه القنوات الأخبارية Fox-News, NBC, ABC, CNN والعديد من الصحف الأمريكية الشهيرة. وهناك مقولة مشهورة للحاخام اليهودي راشورون عندما قال: «إذا كان الذهب والمال هما قوتنا الأولى للسيطرة على العالم، فإن الصحافة والإعلام يجب أن تكونا قوتنا الثانية». وهذا هو واقع الحال للصحافة والإعلام الأمريكي اليهودي الذي يحقق أهداف أمريكا والدولة اليهودية في السيطرة على العالم من خلال مخططاتهم التوسعية التي أصبحت مكشوفة للجميع.
الحرب الصهيو-صليبية هي صناعة أمريكية يهودية تم إعدادها وإخراجها بشكل مدروس من قبل خبراء وصناع القرار وتم عرضها من خلال أشهر وسائل الإعلام الأمريكية والغربية وصولاً إلى مئات الملايين من المشاهدين في أنحاء العالم على مدى عشرات السنين خلال العديد من الأحداث والحروب التي شهدتها الكثير من الدول الإسلامية والعربية وغيرها. حركت أمريكا أسطولها العسكري بحراً وجواً لدعم الصهاينة في حربها ضد شعب غزة لقتل الأطفال والنساء والكهول وتدمير البيوت على ساكنيها، والإرهاب من وجهة وأهداف أمريكا ومن سار على شاكلتها من الدول الحليفة هو ما تقوم به الدول لحماية شعبها ومصالحها وحدودها، وهذا في نظرهم يتعارض مع مصالح ومطامع وهيمنة أمريكا وحلفائها الاقتصادية والعسكرية والثقافية. إن ما يفعله الصهاينة من جرائم إرهابية في فلسطين هو لا يدخل تحت دائرة الإرهاب من وجهة نظرهم، وإنما هو حق مشروع لهم في تحقيق أهدافهم الواهية واستباحة ومصادرة الأراضي والحقوق الفلسطينية وقتل آلاف الأطفال والنساء على مدى عشرات السنين، إن إعلان الحرب من وجهة نظر أمريكا وحلفائها هو لكسب المزيد من الغنائم الاقتصادية والعسكرية وزعزعة استقرار الدول لاعتبارات اقتصادية وتاريخية ثابتة. وعلى مدى عقود وأمريكا وحلفاؤها من الدول الغربية تعمل على استنزاف ثروات ومقدرات الدول ومنها الدول الإسلامية والعربية تحت شعارات ووعود زائفة وخادعة، فهي من قبيل المسكنات التي ألفها الشارع العربي عبر سنين طويلة بلا فائدة، فقد حفظ المواطن العربي عبارات.. تم كسر دائرة المأزق أو الطريق المسدود للعودة للمفاوضات.. تم تحريك جهود السلام..، التأكيد على مسارات السلام!!.. تطابق وجهات النظر مع راعي السلام.. أمريكا ملتزمة بالسلام..، العمل على تهدئة الوضع وغير ذلك من العبارات والمصطلحات السياسية المستهلكة والتي كلفت الشعب الفلسطيني وغيرهم من الشعوب الأخرى الكثير من ضياع الحقوق والإحباط وضعف المواجهة المشروعة مع الدوائر السياسية العالمية.
معالجة قضية فلسطين بشيء من التعسف والقهر والغطرسة والانفراد بالقرار وتهميش المجتمع الدولي والتسلط، كلها تعمل على اتساع نطاق وتأصيل استمرار القضية الفلسطينية والحرب الصهيو-صليبية على فلسطين والدول العربية مع ما يصاحبها من إعلام أمريكي غربي مخترق لشيطنة الإسلام. الإعلام الأمريكي الصهيوني دائماً ما يبحث عن ذرائع ودعاوى باطلة ويحرص على بث معلومات مضللة وزائفة لتحقيق مخططات الغرب الكيدية الاستعمارية للأمة المسلمة. فهذا جيش العدو الصهيوني المدجج بكل أنواع السلاح الأمريكي الأحدث تطوراً في العالم للحرب والدمار يوظف ضد شعب أعزل لا يملك أي نوع من الأسلحة التي تملكها أفقر دول العالم! ومع هذا فإن مقاومة الشعب الفلسطيني ممثلاً بأطفاله وشبابه وشيبه ونسائه ضد المحتل الصهيوني الذي لا حدود لأطماعه التوسعية هو إرهاب في نظر أمريكا والغرب، وما يفعله الصهاينة من تدمير المستشفيات وقطع الكهرباء والماء والدواء والغذاء ومنع المساعدات الإنسانية هو ليس إرهابًا للشعب الأعزل ولا يتعارض مع حقوق الإنسان، بل إن كل من يمد يد العون للفلسطينيين هم أيضًا إرهابيون. أمريكا منذ سنوات طويلة تطالب الدول على إدانة المقاومة الفلسطينية المشروعة ضد ما يواجهه أفراد شعبها من قتل وتشريد وهدم ومصادرة الأراضي والمنازل وحرمانهم من أدنى الحقوق والخدمات الإنسانية، واعتبار مقاومة الشعب الفلسطيني مقاومة إرهابية تستحق سحقها بالدبابات والطائرات وكل الوسائل العسكرية الأخرى كشرط أساسي لإعادة المفاوضات الوهمية! إن الآلة العسكرية المدمرة التي تمارسها إسرائيل ضد شعب صاحب حق لا يمكن أن يتحقق بها السلام، ولا يمكن لراعي السلام «كما يقال»!! أن يخطو خطوة واحدة تجاه السلام ما دام يتبنى ويؤمن بالسياسة الصهيونية القائمة على سفك الدماء ومصادرة الحقوق، وتوسيع الاستيطان على الأراضي الفلسطينية. وكان الأولى لراعي السلام أن يوظف إمكاناته وقوته العسكرية والاقتصادية في إحقاق الحق والعدل ومناصرة الشعوب المتضررة. أمريكا ومجلس أمنها تحرص على إصدار القرارات الدولية والالتفاف عليها والتي تسمح لها بانتهاك المعاهدات وعدم احترام القوانين الدولية لتحقيق مصالحها ومطامعها حتى لو كان ذلك على حساب حقوق وحريات وتهجير الشعوب وقتلهم وتعذيبهم! الدعم الطاغي للصهاينة لتدمير فلسطين وتكالبهم على شعب سلبت حقوقه وأراضيه ما هو إلا امتداد للحروب الصليبية بشكلها ولاسها الجديد مع حرصهم على تكريس مبدأ الانحياز والعنصرية وازدواجية المعايير. نحن أمة الإسلام ضد الإرهاب بمعناه الحقيقي والإسلام لا يقر قتل الأبرياء ولا التشجيع عليه، ويدعونا لإزالة الظلم ومناصرة المظلوم والتسامح والتعايش والحوار والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة وإعطاء كل ذي حق حقه قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّة}، ولكن ماذا عمَّن يسعى بشتى الوسائل لإلحاق أشد الضرر والأذى لإذلال وإضعاف الأمة الإسلامية اقتصاديًا وعسكريًا وتكنولوجيًا والاستمرار في صناعة المشاكل والفرقة والحروب بين الدول الإسلامية. فلا غرابة عندما وصف بوش الرئيس الأمريكي السابق السفاح المجرم شارون بأنه رجل السلام، فهذا وصف يتفق مع مصالح أمريكا التي ترى وتؤمن بأن إسرائيل شريكها وحليفها الإستراتيجي وأنهما في خندق واحد للتوسع والهيمنة ومحاولة إضعاف الأمة الإسلامية وتفرقها، فأي خطط سلام ترتجى من العقل الغربي المنحاز ضد العالم الإسلامي بثقافته التاريخية الاستعمارية غير الأخلاقية؟ المملكة العربية السعودية تبذل جهودًا كبيرة وثابتة منذ القدم لمناصرة القضية الفلسطينية والعمل على وقف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة واستهداف المدنيين التي راح ضحيتها آلاف الأبرياء ورفع الحصار وإيقاف التهجير القسري والحيلولة دون اتساع نطاق الصراع، وقد أكد على ذلك ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- في تواصله مع قادة دول العالم والتأكيد على الحق المشروع للفلسطينيين من إقامة دولة فلسطين المستقلة.