د. إبراهيم بن جلال فضلون
مهما أوتيت إسرائيل من دعم وحاملات طائرات، فهي ولا حلفاؤها أمام صبر الفلسطينيين ولاحق لهم قوة، لاسيما مع قتال «ثلاثي الأبعاد»، ذلك الرعب الغامض في انتظار جيش محتل عبارة عن جنود خائفين حتى من خيالاتهم إذا ظهرت في وضح النهار، فما بالك من حرب تحت الأرض.. في متاهة كُبرى أحاطت ببني صهيون بأنفاق يصل عمق بعضها إلى 30 أو 40م، حتى 70م وعرضه ما بين 6 و14 كم، تحت الأرض، يُسميها أهالي القطاع اسم «المدينة الأرضية»، وتسمّيها إسرائيل «مترو حماس» أو «مترو غزة»، كونها شبكة عنكبوتية سهرت على تنفيذها وبنتها حماس بمساعدة حركة الجهاد، لتكون أكبر كابوس يتحدى جيش الاحتلال الغاصب في حالة المضي قدماً في شن غزو وتوغل بريٍّ في قطاع غزة وتُستخدم لشن الهجمات وتخزين الصواريخ ومخابئ الذخيرة، وتضم مراكز القيادة والسيطرة التابعة لحماس، وكلها بعيدة عن أعين طائرات الجيش الإسرائيلي ومسيّرات الاستطلاع، والأدهى أنها وبخلاف شبكة منشآت كوريا الشمالية المبنية تحت الأرض، يُعتقد أن حماس، التي أدرجتها الولايات المتحدة وألمانيا والاتحاد الأوروبي ودول أخرى على قائمة الإرهاب، تدير أكبر شبكة أنفاق في العالم، والتي يراها كولين كلارك، مدير الأبحاث بـ»مركز صوفان للأبحاث» في نيويورك، أن حماس «تعرف أنفاقها عن ظهر قلب، وبعضها فخاخ للإسرائيليين وحكومتهم التي لا تمتلك عنصراً استخباراتياً قوياً وفاعلاً».
لقد كانت الأنفاق أداة حربية جذابة منذ قرون العصور الوسطى، ليطفو على السطح بريقها في طوفان الأقصى السابع من أكتوبر الحالي، لتوفر للجماعات المسلّحة كـ «حماس» ميزة في حرب غير مُتكافئة، ولنحلل رأي دافني ريتشموند باراك، الأستاذة بجامعة «رايخمان» الإسرائيلية تقول: «إنها شبكة من الأنفاق معقدة جداً وكبيرة وضخمة جداً موجودة على قطعة صغيرة من الأرض وتسمح للمقاتلين بالتنقل بين مجموعة مواقع قتالية مختلفة بأمان وحرية»، صممتها «حماس»، 1300 نفق بطول 500 كيلومتر تحت غزة في عام 2021، رغم الحصار البري والبحري والجوي من قِبل إسرائيل منذ عام 2007، وهي أقل بقليل من نصف طول نظام مترو الأنفاق في مدينة نيويورك.. وقريبة من تصاميم أنفاق «تنظيم القاعدة» في جبال أفغانستان، أو حركة «الفيت كونغ» في غابات جنوب شرقي آسيا، لكن تميزها هو وجودها أسفل واحدة من أكثر المناطق كثافة سكانية على هذا الكوكب أكثر من (مليونيْ غزاوي 2.2 مليون) نزح نصفهم مؤخراً هرباً من العدوان الغاشم عليهم..
فكيف بنتها بدون الآلات الضخمة للحفر؟.. وموصَّلة بالكهرباء والكابلات الهاتفية، ومبطَّنة بالخرسانة بل ويمكن لقاذفات الصواريخ، المخبأة في الأنفاق، أن تخرج من خلال نظام يُدعى «الباب المسحور» لتطلق النار وتختفي مرة أخرى. إذاً تعد مُعضلة كُبرى بذل اليهود في السنوات الأخيرة، جهوداً كبيرة للقضاء عليها، كما كان في عام 2014. وفي عام 2021 وتدمير أكثر من 100 كيلومتر من هذه الحصون تحت الأرض والبعيد أغلبها عن أعين الشاباك؛ حيثُ استخدم الاحتلال من قبل ما يُعرف بـ»قنابل دقيقة التوجيه» بهدف إغلاق هذه الأنفاق، لكنها لم تحقق نجاحاً كبيراً. كما أنها شديدة الظلمة والبرودة فضلاً عن قدرتها على تضخيم أصوات نيران الأسلحة فيما يؤدي استخدام الأسلحة داخلها إلى إثارة الغبار كما يمكن أن تكون هذه الأنفاق مفخخة.. ما يجعل أية عملية برية إسرائيلية في قطاع غزة أكثر صعوبة، حتى مع الوحدات الخاصة للقتال في الأنفاق والتي تم تدريبها في بيئات محاكاة للوضع داخل الأنفاق واستخدام أجهزة استشعار مخصصة لمعرفة ما يحدث في الأنفاق استخدام روبوتات وكلاب.
«لا يوجد لها حل مثالي وفي انتظار القوة البرية الإسرائيلية»، وفق رأي جون سبنسر، رئيس قسم دراسات حرب المدن في معهد الحرب الحديثة في الأكاديمية العسكرية الأمريكية «ويست بوينت»، واختصر القول مايك مارتن، المتخصص في علم نفس الحرب في جامعة «كينغز كوليج» بلندن، قولهُ: «تحقق هذه الأنفاق التوازن حيث تحيد المزايا التي تتمتع بها إسرائيل من التسليح والتكتيك والتكنولوجيا والتنظيم إلى جانب مخاطر عدم القدرة على التمييز بين الأهداف العسكرية والمدنية وهو الذي يجب الالتزام به بموجب القانون الدولي.
وهذا يُخبرنا أن حماس لديها بعض النقاط المخفية، ولا يعرف أسرارها اليهود، مما يعني فجوة معلوماتية لا يمكن في ظلها معرفة نوايا حماس. وهنا علامات استفهام كبيرة حيال ما تعرفه إسرائيل وما لا تعرفه، في ظل ما يوصف ـ «قتال ثلاثي الأبعاد».