سهوب بغدادي
«شفت المسلسل- لمّا خانت فلانة زوجها- كفو بردت قلبي»، كل فقرة في الجملة صادمة بحد ذاتها، لأنها تتعارض وتتنافى مع القيم والأخلاق العامة، وأقصد بـ «العامة»، لدى أغلبية الشعوب والفئات باختلاف مرجعيتهم الدينية والثقافية، وما إلى ذلك، كما بها تضاد مع القيم وتسطيح للخطأ، وتقديم مبدأ الغاية تبرر الوسيلة، فالخيانة في المثال الآنف ذكره، تنفر منها النفس ولا تتقبلها بغض النظر عن الدوافع والمسوغات، إلا أن أحداث المسلسل تجعل الخيانة مبررة بل مستحبة في أعين المشاهد، نظرًا لتعاطفه مع البطل الذي تمت خيانته أيضًا، ولنترك إطار الخيانة بعينه، فالمجال رحب بالمعتقدات الأخرى الهدامة، والتي تساهم في خلق وثبة عكسية آخذة معها قيم الجيل الجديد إلى الحضيض، من خلال تخفيف وتلطيف الخطأ وتأطيره بأحداث مذهبة ولامعة، فالخيانة رد اعتبار، والانتقام خروج من عباءة المظلومية، والعنترة ونظام الفتوات يفسر بالـ «جدعنة» ناهيك عن بعض القيم المنتشرة في منصات محددة تعمل على إدخال المعاني الدفينة في كل شيء عدى المشهد، كوسيلة برمجة للعقل اللاواعي، للأسف الشديد، تحمل المسلسلات في طياتها الكثير من الإسقاطات والمغالطات وشيئاً ليس بقليل من الإسفاف، وأسفي الأعمق ينبع من كونها أعمالاً عربية تنازع لتتماهى مع الموجات الغربية، في هذا السياق، أستذكر موقفاً كان يتكرر بشكل قليل في أيامنا الخوالي، عندما تأتي لقطة لممثلة بلباس غير محتشم -الذي يعد الآن عاديًا- فيقوم الجميع بإشاحة أنظارهم عن التلفاز، ويقوم الأطفال بإغماض أعينهم، بل كانت بعض المسلسلات المدبلجة ممنوعة في بعض البيوت، والبعض الآخر يلاصق أبناءه حين عرض المسلسل -كرقابة أبوية- أما الآن في عصر السرعة وثورة البيانات وسهولة وسرعة الوصول أضحى الأمر صعبًا بل يكاد يكون مستحيلًا بالنسبة للآباء والأمهات، خاصةً أن المحتوى الرقمي يتنوع في أشكاله وألوانه ولا يأتي فقط على هيئة أفلام ومسلسلات، بل ألعاب وتطبيقات ومواقع تواصل اجتماعي، وبثوث حية. حقًا، إن الوعي هو السلاح الأول، في حين تعد الرقابة الذاتية مهمة في خضم ما يعترضنا ونتعرض له من محتوى رث وسمين، ولا نستطيع إلقاء جل الحمل على الأسرة التي يبرز ذكرها في كل موضع، بل التعاون المقنن من كل جهة أمر لازم، وأكبر من هذا الموضع دور الجهات المعنية بالمحتوى في المملكة، حين أصدرت قرارات تعنى بالرقابة للمحتوى الرقمي بشتى أشكاله، بهدف الارتقء بالمحتوى وبناء قاعدة بيانات راقية تواكب التطور الحاصل بالتماشي مع قيمنا وأخلاقنا.