محمد خير البقاعي
لعل التكوين الثقافي لأستاذ الإعلام وللإعلامي من أهم الموضوعات التي ينبغي أن تطرح على بساط البحث في وضع أصبحت فيه الساحة الإعلامية مسرحاً لطالبي الشهرة ومثيري الفتن وناشري الأكاذيب المتشحين بوشاح المعرفة والدين بعض الأحايين دون أن يتوافر لديهم من ذلك الحد الأدنى مما ينبغي أن يتوافر فيها أو أنه يبدو كذلك لبراعتهم في التدليس وادعاء المعرفة.
ولما كان دور الإعلام بوصفه علماً والإعلامي بوصفه عَلَماً يحتاجان تأهيلاً ثقافياً قد لا يتوافر لمن يقتحم المجال بلا مؤهلات كافية فإن أهم خطوات البداية إتقان اللغة الأم كتابة وتحدثاً والاطلاع على تاريخها وتراثها وواقعها. وثانيها: تمثل البعد التاريخي والحضاري للبلد الدي ينتمي إليه، وإتقان ما أمكن من لغات العالم الرئيسة كتابة وتحدثاً.
ووعي التاريخ المحلي والعالمي الذي تبنيه سعة القراءة والاطلاع وليس الدالة وفرض الذات.
أما الالتزام بمواقف الوطن والقيادة لصعوبة الإحاطة بكل خفايا الأمور مما هو جلي لولي الأمر عن حكمة وحنكة واطلاع فإنه من أساسيات الانتماء وبعد النظر.
ولابد من تكامل المعارف تطبيقياً وليس ادعاءً كما هو الحال لدى كثير من مدعي التكامل خطابياً وليس منهجياً.
أما متابعة الإصدارات والتطورات في مجال تقنيات الاتصال ومراقبة توجهات المجتمعات وميول الفئات الاجتماعية والاقتراب من تطلعاتهم فإنه حجر الرحى في بلوغ الهدف المرسوم.
كان من حسن الطالع أنني التقيت في مسيرة حياتي بإعلاميين متميزين وبأساتذة إعلام مبدعين تدريساً ومهنة وكاد الأمر أن ينتهي بي في مرحلة من المراحل صحفياً ومدققاً لغوياً في مؤسسة صحفية : ولكن تقلب الأزمنة والأحوال قادني إلى مسار آخر وظلت دهشة الإعلام تتملكني وأحمل في داخلي بقايا إعلامي اختطفته رغبة التحصيل في مجال بسطت له المرحلة الجامعية الأولى والعليا وكوكبة من الأساتذة الأجلاء مسالك التقدم فيه ولا أقول النجاح فأدعي ما يمكن أن أراه كذلك ويراه غيري في اتجاه آخر.
عرفت في مساري كثيراً من الإعلاميين بتكوين متين وحضور ثقافي فاعل وخلق رفيع وهم الأعم الأغلب وعرفت طبولاً تضخم الصوت دون أن يكون لها أي إسهام في أبعاده ومسارات وصوله مستغلين مكانة موروثة أو مكتسبة في ترويج زبدهم بل في فرضه بعض الأحايين سعياً إلى مكانة قد تكون براقة ولكنها حقاً في غاية الشحوب. الإعلام بكل أشكاله وتطوراته أمانة في أعماق أهله ولا يؤدي مثل هذه الأمانة والقدرة إلا أولو العزم فلننظر ما نحن مختارون.