د. إبراهيم الشمسان أبو أوس
عدّد سيبويه في أول (الكتاب) أحوال الكلمة حسب ما يظهر من حركة آخر أحرفها، وهو يسميها مجاري أواخر الكلم، قال: «وهي تجري على ثمانية مجارٍ: على النصب والجرَّ والرفع والجزم، والفتح والضمّ والكسر والوقف». ثمّ بيّن أن هذه الأحوال الثمانية أو المجاري تشترك في العلامات الدالة عليها، قال «وهذه المجاري الثمانيةُ يَجمعهنّ في اللفظ أربعةُ أضرب: فالنصبُ والفتح في اللفظ ضربٌ واحد، والجرّ والكسر فيه ضرب واحد، وكذلك الرفع والضمّ، والجزم والوقف».
نفهم من قول سيبويه السابق أنّ المرفوع علامته الضمة، والمضموم (أي المبني على الضم) علامته الضمة، والفرق بين المرفوع والمضموم أن ضمة المرفوع اقتضاها عامل، وهي تتغير بتغيره، وكذا سائر الأضرب أو العلامات. ويفسر سيبويه اختلاف أحوال المعرَب والمبني بقوله «إنما ذكرت لك ثمانية مجارٍ لأفرق بين ما يدخله ضرب من هذه الأربعة لما يُحدث فيه العامل، وليس شيء منها إلا وهو يزول عنه، وبين ما يُبنى عليه الحرف بناءً لا يزول عنه لغير شيء أحدث ذلك فيه من العوامل التي لكل عامل منها ضرب من اللفظ في الحرف، وذلك حرف الإعراب».
النصب والجر والرفع والجزم حكم للمعرب، وما ظهر من حركة على آخر حروفه هو علامة إعرابه، وهذا الحرف حرف الإعراب، وأما الفتح والكسر والضم والوقف فحكم للمبني الذي لا تتغير حركته؛ لأنها جزء من بنية الكلمة.
وربما استعمل سيبويه ألقابًا للمعرب من ألفاظ الأحكام، أي من الرفع والنصب والجر والجزم، قال «وإنما حملهم على هذا أنهم أنزلوا (الرفعة) التي في قولك زيد بمنزلة (الرفعة) في راء امرئ [أي: امرُؤٌ]، و(الجرة) بمنزلة (الكسرة) في الراء [أي: امرِئٍ] و(النصبة) كـ(فتحة) الراء [أي: امرَأً]». وقال في موضع آخر «لأن الرفعة ضمةٌ والجرة كسرةٌ «.
وأوضح بيان للتفريق بين ألقاب حركات الإعراب وحركات البناء ما جاء عند أبي حيان قال «وقوله [أي: ابن مالك]: فارفَعْ بضمةٍ، وانصِبْ بفتحةٍ، وجُرَّ بكسرةٍ، هكذا قال غيرُه من النحويين، وكان القياس على مذهب البصريين أن يقال بدل (ضمة) (رفعة)، وبدل (فتحة) (نصبة)، وبدل (كسرة) (جَرَّة)؛ لأن الضم والفتح والكسر إنما هي للمبني، فيُنسب ما هو من لفظها إلى المبني، والرفع والنصب والجر للمعرب، فينبغي أن يُنسب ما هو من لفظها إلى المعرب، لكنهم أطلقوا على حركات الإعراب ضمة وفتحة وكسرة على سبيل التوسع، لأن اللفظ بالمضموم والمفتوح والمكسور كاللفظ بالمرفوع والمنصوب والمجرور».