سهام القحطاني
كان المجهول في تاريخ الإنسان الأول هو مصدر الرعب دائماً؛ لذا ظل يبحث عن تفسير منظور لكل مصدر مجهول أو وسيط منظور بينه وبين جوهر المجهول، وهو ما دفعه للبحث عمن يحتمي في ظله من مصدر كل رعب، أو ينسب إليه مصدر كل رعب.
وقد نقل الإنسان شعور الرعب ومصادره إلى أدبه، وأساطيره وحكاياته وشعره فخلّد مصادر ذلك الرعب حتى يومنا هذا، وإن اختلفت نسخها في التراث الشعبي الأممي إلا أن رابط المقصد يجمع بين كل تلك النسخ.
وكلما تطور العقل الاكتشافي للإنسان عبر وسائط العلم والبراهين زادت مساحة المجهول في حياته، وبالتالي تنوعت مصادر الرعب خارج تكوينها التقليدي.
ليظل الرعب متواجداً في حياة الإنسان مرتبطاً هذه المرة بالغرض والقصدية لا بالحتميّة، ليجد الإنسان نفسه أمام صناعة «تخليق للرعب»، وتحويل الرعب إلى سلعة تجارية تستمد جاذبيتها من نقاط الضعف البشري.
ومع تقدم العقل البشري واستقرار الأمن الوجودي و شيوع «فن الحكي والترفيه» والحاجة إلى مصادر ثرية وجاذبة تنبني عليها الحكايات لجأ المبدعون إلى «الرعب» كأهم مصدر من مصادر التشويق والجذب للجمهور، وبذلك أصبحت الحكايات الحاضنة الأولى للرعب، وتنوعت رمزيات الرعب في تلك الحكايات ما بين الشر الخفي والحيوانات المتوحشة والمستذئبين و مصاصي الدماء، والأرواح الشريرة، مثل الفيلم الأشهر في هذا المجال «طار الأرواح»1973م.
وبعد تطور آليات الحكي وفنياته واكتشاف السينما تحول الرعب إلى «صناعة سينمائية» هذه الصناعة التي استفادت من روايات الرعب التي نالت شهرة جماهيرية، وكان أول فيلم رعب عام 1896 فيلم القلعة المسكونة.
وبدأ أدب الرعب إذا قفزنا من فوق تراث الشعوب عام 1888م من خلال الرواية الأشهر حتى اليوم والتي تنوعت نسخها السينمائية ولا يمل المتلقي من مشاهدتها عبر الأجيال وهي رواية « فرانكشتاين» للكاتبة البريطانية «ماري شيلي»، وقد ظهرت هذه الرواية في خضم الصراع بين العلم والكنيسة، وفي عام 1897م ظهرت رواية « دراكولا «للكاتب البريطاني «برام ستوكر»، وشخصية «دراكولا» تستند إلى شخصية حقيقية وهي الكونت فلاد الثالث المخوزق» والذي خاص حرباً مع الدولة العثمانية، ويعد رمزاً في التاريخ الروماني حكم ما بين 1456م وكان ذا سلوك متوحش مع أعدائه ومعارضيه، وأصبح دراكولا رمزية للإنسان المتوحش الذي يتلذذ بتعذيب ضحاياه.
كما أن «برام ستوكر» اشتهر برواية «مصاصي الدماء»، وشخصية مصاص الدماء لها جذور في التراث الفلكلوري للشعوب باختلاف نسخهم، ولم يكن «برام ستوكر» الكاتب الأول لأدب «مصاصي الدماء» بل سبقه المؤلف «جون بوليدوري» عام 1819م في روايته «مصاص الدماء».
واكب أدب الرعب و تخليقه السينمائي تطور العقل البشري فتجاوز ذاكرة تراث الشعوب ليصنع لعصره ذاكرة خاصة به وبمصادر الرعب الجديدة، فظهرت رمزيات «الزومبي» و»المخلوقات الفضائية» و»الحروب البيولوجية» التي عبر عنها الكاتب الأمريكي «ريتشارد ما ثيسون» في روايته «أنا أسطورة» عام 1954م والذي تتحدث عن مرض الطاعون المخلّق الذي إذا أصاب الإنسان يحوله إلى مصاص للدماء وآكل لحوم البشر، و قد تُرجمت هذه الرواية سينمائياً عام 2007 هذه الرواية التي اُعتبرت نسخة جديدة لرمزية مصاصي الدماء أو ما نسميه اليوم «الزومبي».
و يعتبر الزومبي اليوم من أهم مصادر الرعب في السينما العالمية،أو الأحياء الأموات، وهي فكرة تقوم على ثنائية الحياة والموت.
ومن هنا تأتي الذكرى السنوية للاحتفال بالهالوين 31 أكتوبر، وهي ذكرى أو احتفال يعود إلى ألفي سنة في التراث الإيرلندي .
و 31 أكتوبر آخر يوم في الصيف وبداية الشتاء حيث يخرج الموتى من قبورهم، وهذا الخروج يستلزمه احتفالات لطرد أرواح الموت و إشعال النيران وارتداء الأقنعة لعدم تعرّف الأرواح على الأحياء.
وأصبح الهالوين مناسبة عالمية بفضل تبني سينما الرعب له، وتقديم الكثير من الأفلام التي ابنت على فكرة لعنة الأرواح وعودة الموتي، كما في فيلم «هالوين إحياء الموتى» عام 2002م، و «روب زومبي1-2»
ومن الغريب أن مشاهدة أفلام الرعب قد تخلق توازن الرعب داخل الإنسان، هذا ما قاله الباحث «ماثيس كلاسين» في أزمة كورونا فقال: إن» مشاهدة فيلم مخيف سيكون مجزياً في التخلص من رعب كورونا الحقيقي، والمشاعر السلبية التي توجد بداخل الأشخاص تجاه أي أزمة يمرون بها..حيث أنها تعزز الثقة بالنفس في قدراتهم، والتحكم في مشاعرهم عبر مواجهة الواقع».- موقع اليوم السابع،2020-
تتطور مصادر الرعب بتطور العقل البشري والأسئلة التي تبحث عن ماهية المجهول والتي لا يستطيع ذلك العقل المتطور إدراكها بطريقة منظورة، فيلجأ إلى تخليقه من خلال خياله عبر السينما ليؤسس واقعاً موازٍ للمجهول الغيبي، وحينا ترتبط صناعة الرعب بخلق عالم وهمي من الخوف لإحاطة البشر به؛ لأغراض علم ية أو تسويقية أو استعمارية.