مشعل الحارثي
يوماً بعد آخر ونكبة إثر نكبة يثبت للعالم وبلسان الواقع الحي أن (هيئة الأمم المتحدة) التي تأسست عام 1945م خلفاً لعصبة الأمم وبعد أن نصبت نفسها حامية للإنسانية ولحقوق الدول والشعوب وأنها الدرع المكين والوسيط الأمين لفض النزاعات بينها وإضفاء مظلة الأمن والسلم والسلام على أرجاء الكرة الأرضية أنها منظمة غير فعالة ولم تستطع إقفال عشرات الملفات والصراعات القائمة في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا وغيرها من المناطق الأخرى في العالم منذ عقود من الزمن لتأتي أحداث غزة الراهنة وماقبلها من أحداث الشرق الأوسط وتكشف عن عجزها الكامل والفاضح في تحمل مسؤولياتها وأداء أدوارها المتعددة أمام صلف العدو الإسرائيلي وتكشف أيضاً الوجه الآخر والقبيح لهيمنة الأعضاء الكبار على قراراتها وعلى كافة منظماتها ووكالتها الدولية وتسخيرها لمصالحها الذاتية وعدم اكتراثها بـ (193) دولة أيدت ودعمت وساندت قيامها رغبة في أن تكون فعلاً ملاذاً قوياً للتنمية الحضارية ونصرة الحق والعدل والإنسانية.
بل إن الأمين العام الحالي للمنظمة (انطونيو غويتريش) وفي ظل هذه الأحداث الدامية والوحشية في غزة لم يسلم هو ومنظمته من العدوان الإسرائلي فمنيت هي الأخرى بوفاة عدد من موظفيها وعندما ندد بانتهاكات إسرائيل في غزة للقانون الدولي وأشار إلى أن هجمات حماس على إسرائيل لم تأتِ من فراغ وأن الفلسطينيين تعرضوا لاحتلال خانق على مدى (56) عاماً ومن ثم دعوته إلى وقف إطلاق النار فكانت ردة الفعل إعلان سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة جلعاد اردان أن تل أبيب سترفض منح تأشيرات لمسؤولي المنظمة معتبراً أن تصريحات (غويتريش) تبرر هجوم حماس على إسرائيل ومطالبته بالاستقالة من عمله.
ولذلك لم يكن غريباً عندما أعلنت المملكة على لسان الأمير سعود الفيصل رحمه الله في عام 2013م عن موقف المملكة العربية السعودية الجريء والشجاع في اعتذارها عن قبول منصب أحد المقاعد غير الدائمة في مجلس الأمن لتمثيل منطقة آسيا والمحيط الهادىء معللة ذلك الرفض بآليات العمل وازدواجية المعايير في مجلس الأمن التي حالت دون قيام المجلس بأداء واجباته وتحمل مسؤولياته تجاه حفظ الأمن والسلام العالميين على النحو المطلوب وهو ماجعل العالم يعيد حساباته من جديد تجاه هذه المنظمة وحقيقة أدوارها المعلنة والخفية ولعلمه الأكيد وبما يحمله من خبرة السنين التي قضاها في معترك السياسة الدولية بأن هذه المنظمة لم تعد قادرة على أداء دورها كما يجب ولابد لها من إصلاح هيكلي شامل لعملها وأنظمتها وتبعيتها ومن لهم الحق في الانضمام إليها والحق في نقض قراراتها.
إن الأحداث الجارية في غزة اليوم وما تتعرض له من قصف بربري ومن تصفية عرقية وخراب ودمار من قبل العدو الصهيوني المحتل ومايلقاه من تأييد وإنحياز ومناصرة قوى الشر والعدوان الغربية لهجمتها العدوانية الشرسة على المستضعفين من الأطفال والنساء والشيوخ في غزة يؤكد بكل وضوح على نزعة العقلية الغربية العنصرية وغير الأخلاقية تجاه العرب والمسلمين وأنهم لن ينحازوا لنا في يوم من الأيام مهما تقاطعت مصالحنا معهم، ومن ذلك تعطيل عمل وكالات الأمم المتحدة لنجدة وإيواء وإيصال المساعدات الإنسانية للمهجرين من قطاع غزة وهو مايوجب أن نكون دوماً على يقظة وحذر تام وأن نسعى لتوحيد الصفوف فالعدو لايرحم والصراع بين الخير والشر باقٍ مابقيت الحياة.
ونعود للقول بأن عباءة هيئة الأمم المتحدة أصبحت مهترئة وكثيرة النتوءات ولم تعد صالحة للاستعمال بعد مايزيد على (75) عاماً وبعد أن عرتها عوامل الزمن والمواقف الغامضة والمنحازة للظالم لا المظلوم وأنها أصبحت اليوم استراحة للراحة والمداولات الكلامية التي لا طائل منها ولانفع حقيقي على المجتمع الدولي طالما أن قراراتها حبر على ورق، وبعد قيام دول (البريكس) ومنظمة شنغهاي للتعاون وغيرها من المنظمات الأخرى التي خرجت من الهيمنة الغربية ستكون هي الأمل المرتقب للسلم والسلام والوجه المشرق للعالم الجديد.