ناهد الأغا
«تكفى» ترى تكفى تهز الرجاجيل
ولولا ظروف الوقت ما قلت تكفى
بهذا البيت الجزيل، والبليغ في المعنى، ذاع صيت وشهرة شاعر سعودي شعبي، كان ممن لهم صدارة في الشعر السعودي الشعبي النبطي، لدرجة أصبح يوسم ويُنعت بـ «أخو تكفى» و»راعي تكفى» إنه الشاعر السعودي الشعبي الراحل محمد الدحيمي رحمه الله، فقد انتقل إلى جوار ربه رحمه الله وغفر له يوم الجمعة 12 من ذي الحجة 1444هـ، الموافق 30 يونيو 2023م، بعد معاناة مع المرض، تاركاً خلفه إرثاً طيباً من الأشعار العذبة الشجية، والقريبة والمحببة إلى النفوس، حتى يكاد لشدة جمال شعره أن يغدو مثلاً، يردده القاصي والداني حتى يومنا الحاضر.
رحل الشاعر الشعبي محمد الدحيمي نعم رحل وغادرنا وهذه مشيئة الله ولا راد لما شاء وأمر، فكان واجباً علينا أن نستذكر مناقب ومآثر إنسان نبيل الأخلاق، وحسن المعشر، وفصيح اللسان والبيان، والأثر والتأثير، ونقف على ألوان من الألوان الشعرية، وحالات عصفت به، وألقت عليه ظلالها، فأنشد لها أبياته وأشعاره، كما في أبياته، التي قال فيها :
تدري وش اللي انا هلحين محتاجه
محتاج لي بس أي فراش ومخده
الـ(غير) وينه يا جدة ما بقى حاجه
الغير حزني.. وحزني غير يا جدة
ويظهر الحزن جلياً كذلك، في أبيات يصف فيها ألمه وضيقه منذ نعومة أظفاره، وكيف أن طفولته امتزجت بالألم والحزن، حيث قال:
أنا من صغر سني عشت يا نزل يا رحال
ابوي مربي اخواني وانا اللي الوقت رباني
تقول امي قبل تولد توفى لي ثلاث عيال
لابو حظن تكاثر فيني اصبح رابع اخواني
وفي رائعته التي اتسم ووسم بها «تكفى»، تلمس ما في نبرتها حزناً دفيناً غائصصاً في أعماق من أنهكته الحياة بهمومها وعنائها، وعصفت به في غياهب الجُب المعتم شديد السواد بهمومه على المرء، لدرجة يتضجر أقوى الرجال وأشدهم بأساً من تحملها، ولا يملك الشخص إلا قبول ما جاء في تصاريف الدهر من تقادير الله العليم الخبير، كم تحتمل أبيات عديدة من قصيدة الشاعر محمد الدحيمي رحمه الله «تكفى» من أحاسيس مليئة بمشاعر الاضطراب، عندما تتمعن النظر والإبصار في قوله :
تكفى تراها كلمةٍ تقطم الحيل
لا بالله الا تنسف الحيل نسفا
تكفى ماهي لمعقبين الفناجيل
تكفى لصلف وعادة القرم صلفا
تكفى ترى تكفى لها هدرة السيل
في صدر حرٍّ ينتف الطيب نتفا
تكفى ترى تكفى لها تسرج الخيل
إن كان لك بالخيل سرج ٍ وعسفا
تكفى تبيّن كلّ لاشٍ وحلحيل
تسمع لها بالصدر هبدٍ ورجفا
تكفى وتكفى ماتساق لمهابيل
تكفى تخلي القرم لاشٍ وهطفا
تكفى تجنّبني هل القال والقيل
مانيب من ينكف على كل ملفا
تكفى تراني من قرومٍ مشاكيل
حمّاية الساقه بسيفٍ وشلفا
تكفى ترى تكفى تهز الرجاجيل
ولولا صروف الوقت ماقلت تكفى
خالص الدعاء والتضرع إلى الله العلي القدير أن يتغمد الفقيد الشاعر الشعبي محمد الدحيمي بواسع رحمته، فهو صاحب أثر جميل باقٍ في النفوس ولا يغادرها.