خالد بن حمد المالك
غاب أمين عام حزب الله اللبناني حسن نصر الله عن المشهدين الإعلامي والسياسي منذ السابع عشر من شهر أكتوبر الماضي، وإلى يوم الثالث من شهر نوفمبر الحالي، أي لما يقارب الشهر، وهي فترة تميزت ولا زالت بأحداث الحرب بين غزة وإسرائيل، وبتداعياتها أمريكياً، وأوروبياً وعربياً، وبالمجمل عالمياً، وحين أراد نصر الله أن يقدم نفسه وحزبه والموقف من هذه الحرب اختار لها توقيتاً مع بدء الزحف البري الإسرائيلي نحو اجتياح قطاع غزة، فاعتقد العالم أنه سيقول ما لم يقله من قبل، ويتحدث بما سيكون زلزالاً لإشعال الحرب بأكثر مما هي عليه، وكان التحضير الإعلامي للخطاب المنتظر، والتهيئة ليكون الجميع على موعد مع إعلان نصر الله المتوقع عن دخول حزب الله بكل قدرات الحزب وإمكاناته في الحرب.
* *
تحدث حسن نصر الله على مدى ثلاث ساعات في خطاب ظهر فيه مرتبكاً، وخائفاً، ووجلاً، ومتناقضاً، ومرتعداً، وكأنه يبحث بالكاد عن كلام ينفي فيه شراكته مع حماس في قيام هذه الحرب، بعد أن تمّ تداول معلومة تتحدث عن اتفاق بين حزب الله وحركة حماس على دخولهما معاً هذه الحرب، وهي رواية قابلة للتصديق، فيما اكتفى حزب الله بمناوشات محدودة مع إسرائيل بدلاً من الانغماس بالحرب، وقد فقد فيها أكثر من خمسين شخصاً من عناصره، متنصلاً من مسؤولية الشراكة، وبالتالي فلم تكن هناك مفاجآت في الخطاب، بعد أن اقتصر خطابه على التهديد والوعيد حيناً وتليين الموقف حيناً آخر في كلمته التي تراوح فيها صوته بين الانخفاض ورفع الصوت والمواءمة بينهما دون ضرورة تقتضيها مواقف الحزب مما ورد ذكر لها بالخطاب.
* *
لا نعترض على التهدئة ومنع التصعيد من جانب حزب الله، فمسؤولو الحزب هم من يقدر خطورة التورط بحرب كهذه، خاصة وأن لهم تجربة سابقة كانت مريرة وخاسرة في حربهم مع إسرائيل في العام 2006م وإن ادعى نصر الله بأنه كان نصراً عظيماً لحزبه، وهو ما جعل وليد جنبلاط الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي يصف خطاب حسن نصر الله بالواقعي لأنه لم ينجر إلى توريط لبنان بتداعيات حرب قال رئيس وزراء إسرائيل إنها ستكلف لبنان ثمناً لا يمكن تصوره، بينما قال البيت الأبيض بأنه لا يمكن تصور الدمار المحتمل الذي سيحل بلبنان وشعبه في حال توسع الصراع بدخول الحزب في الحرب، مطالباً حزب الله بعدم استغلال هذا الصراع.
* *
ألقى حسن نصر الله خطابه مغدقاً المديح - كعادته - لإيران في شخص الخميني وخامنئي ومن أسماهم سواعد الحوثيين والعناصر العراقية المسلحة، مع تجاهل تام لأي دور لأي دولة عربية، فيما أعلنت إيران بأن المقاومة جاهزة لكل السيناريوهات، في مقابل تأكيد نصر الله بأن طوفان الأقصى لا علاقة له بأي ملف إقليمي، وأنه يرفض ربط حرب حماس بأي هجوم إقليمي، كما أن حزبه لن يقوم بأي عمل استباقي ضمن ما يسمى بقواعد الاشتباك، وسوف يحدد الحزب موقفه من الحرب في الوقت المناسب، وأن الخيارات كلها مفتوحة، ويمكن أن يذهب إليها، مضيفاً بأن لا حرب في لبنان إلا إذا فعلت إسرائيل ذلك، جاء ذلك ضمن الارتباك والتناقض الذي ساد خطاب نصر الله.
* *
نعم لم يكن في خطاب حسن نصر الله ما توقعه المحللون من مفاجآت، حتى وإن ادعى نصر الله بأنه أشغل ربع الجيش الإسرائيلي بجعله في حالة تأهب قصوى على حدود جنوب لبنان، لأن هذه القوات -حسب قوله- كانت ستذهب باتجاه غزة. اللافت للنظر أن الجنوب كان يتلقى القصف والضربات حين كان أمين حزب الله يلقي خطابه أمام حشد كبير من مناصريه، معزياً أسر أكثر من خمسين قتلوا في مناوشات لعناصر من حزب الله مع الإسرائيليين، مطالباً بقطع العلاقات مع إسرائيل، مع قوله بأن أمريكا وليس إسرائيل هي من يدير الحرب، وفيما يشبه التناقض قال إن جبهة حزب الله هي جبهة تضامن مع حماس.
* *
غياب أمين حزب الله كل هذه الفترة الطويلة عن الأنظار، وظهوره مرتبكاً ومتناقضاً، وتقبله لهذا العدد من قتلى الحزب، دون ظهور حالة انتقام، والاكتفاء بالمناوشات الخفيفة، دون توسع، فهذا يتناقض تماماً مع التهديدات (الصوتية) التي كان يطلقها في خطاباته، ربما الجميل في الخطاب أنه تجنب شتم بعض الدول العربية، وأنه حرص على عدم جرّ لبنان إلى أكثر مما سببه له في حروب سابقة، لكن الأجمل لو أنه استمر في غيابه، ولم يظهر بالمشهد البائس الذي كان عليه.