سام الغُباري
العالم يغلق أبوابه في وجوهنا، والسعودية مستمرة في منح اليمنيين إقامات وهويات مؤقتة ودائمة، الهاربون من سعير حرب افتتحها الحوثيون على رؤوس القبائل ورموز الدولة يلجأون إلى بلد عظيم ليس مُجبرًا على تقديم كل هذا الحُب، فقد كانوا قادرين على إنشاء سياج أسمنتي آمن يحول بينهم وبيننا، لكنهم لم يفعلوا، وحين سألت بعض الأصدقاء هنا: لماذا تُصرون على مساعدتنا ونحن لم نساعد أنفسنا، قالوا لي كلامًا كبيرًا عن الأخوة والعروبة والإسلام وصلة الرحم والشهامة ومروءة عربية افتقدناها كثيرًا.
السعودية عضدنا الدائم الذي نؤذيه باستمرار منذ تأسيس المملكة على يد الملوك الراحلين حتى اليوم، وهو يغفر ويسامح.. ماذا قدّمنا للسعودية في محنتها خلال الحروب السابقة التي خاصتها مع ديكتاتوريات متفرقة؟، لا شيء.. سوى أننا مددنا أيدينا إلى العابثين من خارج سياق التاريخ والجغرافيا لنعبث بأنفسنا، وأوطاننا ومستقبلنا وجنوننا المنفلت حتى أرقنا وأرهقنا الدم والحياء وأصابتنا لعنة الضالين وغضب السماء.
ممنوعون بأمر كثير من الدول دخول حدودها، بقبولنا كهاربين، أو لاجئين.. إلا المملكة تعمل على إخماد حرائقنا التي أشعلناها بأيدينا، يعيش في أرضها وتحت سمائها أكثر من ثلاثة ملايين شاب يمني يمثلون جوهر المجتمع وعمود سكانه وأساس تنميته ومستقبله، في حين تزايد دول أوروبا وأميركا بقبول مشروط للاجئين من مناطق محترقة في العالم لإكمال رونقها كبلدان إنسانية، فيما المملكة وحدها تستحق أن تكون سيدة الإنسانية في هذا العالم المنافق.
لهذا يجب أن نعشق «السعودية» كوطن كبير، مثل أب لا ينوء بحمل أبنائه وإخوته في العروبة والعقيدة والدم، إنسانية بلا حدود يُطلقها البرنامج السعودي لتنمية اليمن ومركز الملك «سلمان» للأعمال الأغاثية في مختلف دول العالم، نال منها اليمن النصيب الأكبر من العناية والولاية والاهتمام.. دفع السعوديون مبالغ فاقت الثلاثة عشر مليار دولار في زمن قياسي رأفة بهذا البلد المنهك من صراعات أقطابه المهووسين، وفوق هذا تتعهد السعودية والإمارات وقطر والكويت والبحرين بدعم إنتاجي لقطاعات الكهرباء والصحة والتعليم وإعادة الإعمار، وتعمل السعودية على تحسين موارد الدولة بتقديم الموازنة العامة للحكومة الشرعية في العاصمة المؤقتة «عدن»، ميزانية مفتوحة للسلام والبناء والحرب أيضًا، هذه أشياءٌ نادرة في زمن البراغماتية الفجّة.
يومًا ما سيعرف اليمنيون جميعًا أنهم كانوا محظوظين بهذا البلد الكبير، وهذه الأخوة السامية النبيلة التي يحملها جلالة الملك سلمان بن عبدالعزيز يحفظه الله وولي عهده الأمين تجاههم، وما أُجبِروا على ذلك، إلا أنها أصالة وسمو ورفعة في أصلابهم وأنسالهم ودمائهم، يتذوق منها العالم كله حلاوة الطيب ونقاء السريرة وصفاء الجود وكرم الضيافة، وينال اليمن منها دفء الأخوة وشمائل الرعاية والاهتمام.
لقد ناءت أميركا - ذلك البلد الأقوى في العالم - بحمل بضعة آلاف من اللاجئين، إلى أن ساقها «ترامب» قبل سنوات باتجاه البحث عن حياة معزولة تصنع مستقبلها خلف جدار عملاق مع جيرانها المساكين، وما ناءت «السعودية» بحمل ملايين العاملين والمهاجرين واللاجئين منذ خلقها الله إلى يومنا هذا.. لن نكون جاحدين، وإن فعلنا فعلى أنفسنا، وقد أثبتت تجارب رؤسائنا السابقين أن من ساق المؤامرة على المملكة فإنما يتآمر على نفسه، ويُحرق مراكبه ويذهب بشروره إلى سحيق مظلم.
- علينا كيمنيين لحاق المروءة الباقية في هذا العالم، والامتنان لهذه الشهامة الأصيلة الغالية، فقد مات الفرسان في كل الأرض، إلا في السعودية، وهي ما تزال حُبلى بهم، تُنجبهم جيلًا بعد آخر.. ولأجل ذلك يجب أن نعشقها حد الثمالة.
.. وإلى لقاء يتجدد
**
- كاتب وصحافي يمني