خليل الصعّاق
خرج المذهب البروتستانتي من عباءة الكاثوليك بعد حركات الإصلاح الديني لديهم التي قادها مارتن لوثر في القرن السادس عشر، حيث تخلصت الكنيسة البروتستانتية من سلطة البابا وحياة الرهبنة والنسك وخرافة صكوك الغفران، وسعت الحركة إلى إلغاء الوساطة بين الفرد وربه، وجعلت العمل ومنفعة البشرية هي الدليل على رضا الرب ودخول الجنة.
في عام 1922م أصدر الفيلسوف وعالم الاجتماع الألماني ماكس فيبر كتابه (الأخلاق البروتستانتية وروح الرأس مالية)، حيث ناقش فيبر فكرة تأثير التوجه البروتستانتي (الكالفني) على تطور الرأس المالية الجديدة، وتراكم رأس المال لدى الدول ذات التوجه البروتستانتي عن الدول الكاثوليكية، وعزا فيبر ذلك التطور الاقتصادي الذي رافقه تقدم على جميع الأصعدة ما زعمه إلى القيم والأخلاق التي لدى البروتستانت والتي تتعامل مع العمل والإنتاج وتحقيق المنفعة لمجتمعاتهم كعبادة تمكن الفرد (بحسب زعمه) من حجز مقعده في الجنة، بالإضافة إلى القيم التي تدعو إلى عدم التبذير والإسراف والاعتدال في الاستهلاك.
وإذا كان مصدر التطور الاقتصادي والاجتماعي حسب فيبر هو مصدر ديني لاهوتي ينطلق من القيم والمعتقدات والأخلاق على حد زعمه، فيأتي التساؤل:
أليس الدين الإسلامي مليئاً بأكمل القيم والمعتقدات والأخلاق التي من شأنها أن تجعل الشعوب التي تعتنق هذا الدين في مقدمة الأمم؟
لقد حولت الأخلاق الإسلامية شعوباً لم تعرف سوى التعصب والجهل والخرافة، إلى منارة حضارية غيرت وجه البشرية، فلماذا تخلفت تلك الشعوب في السلم الحضاري؟
بعد البحث عن المشاريع النهضوية نجد أن فيها الكثير من خلط المفاهيم والتنظير المعقد وغير الواقعي.
أجد أن النهضة فعلاً تبدأ من سلوك الفرد ومعتقداته وتنطلق لتغير الجماعة، وأعتقد أن التراجع النهضوي لدى المسلمين ينبع من (الفجوة بين المعرفة والسلوك)، فنحن نعرف الكثير ونطبق على أرض الواقع القليل، فالدين الإسلامي مليء بالقيم والمبادئ الرفيعة والراقية التي تحتاج إلى مجلدات لذكرها، ولكن من أهمها وأبسطها! نعلم أن العمل فضيلة، هل نعمل على هذا الأساس؟ ونعلم أن الأمانة فضيلة، هل نمارسها؟ ونعلم أن الصدق واحترام الوقت والإتقان ومنفعة الآخرين وعدم التبذير والإسراف من الفضائل.. والكثير من المثل العليا التي من المفترض أنها أسلوب حياة للإنسان المسلم.
وفي الوقت الذي تردم فيه تلك الفجوة ونطبق كثيراً مما نعرف عن أخلاقنا الإسلامية، سنقول إنه وقت النهضة، إذاً النهضة تبدأ منك أنت عزيزي القارئ.
ومضة:
الحمد لله الذي جعلنا أمةً وسطاً بين رهبانية النصارى ودنيوية اليهود.