محمد بن عيسى الكنعان
قضية فلسطين هي القضية المحورية للعرب والمسلمين، فهي أرض عربية وفيها مقدسات المسلمين والنصارى أيضًا؛ لذا هي تعيش في وجدان كل مسلم أو عربي، والسعوديون - قيادةً وحكومةً وشعبًا - لا يختلفون عن غيرهم على امتداد وطننا العربي أو عالمنا الإسلامي بشأن فلسطين، فهي راسخة في ماضيهم، وحاضرة في واقعهم، والتاريخ يشهد والواقع يؤكد أن المملكة العربية السعودية - منذ تأسيسها - لم تتوقف يومًا عن دعم فلسطين وشعبها على كل المستويات الرسمية والشعبية، سواءً بحملات الدعم المالي والعيني لشعب فلسطين، أو بدعم المجهود الحربي العربي في حروب العرب مع إسرائيل، حتى إن الدم السعودي الطاهر نزف على أرض فلسطين الأبية. أما الموقف السعودي السياسي فهو ثابت الكيان واضح البيان بتأكيده ودعمه للحق الفلسطيني بدولة مستقلة وعاصمتها القدس. هذا الموقف المشرف لم يركن إلى الأنانية السياسية، أو يخضع للمصلحة الذاتية، أو لعبة المساومات الإقليمية كما فعلت بعض الدول العربية في مواجهة دعوات التطبيع، بل ارتبط الموقف السعودي من السلام أو التطبيع مع إسرائيل بإنهاء الاحتلال وحق الفلسطينيين بدولتهم المستقلة.
واليوم؛ ونحن نعايش أحداث غزة الدموية المؤلمة بفعل آلة الحرب الإسرائيلية الإرهابية المدمرة للعمران الفلسطيني، والقتل الممنهج للإنسان الفلسطيني، يخرج علينا من يطعن في الموقف السعودي، ويُشكك بالإنسان السعودي، ويشتم في قيادتنا، وينسف تاريخ مملكتنا في دعم القضية الفلسطينية؛ فقط لأن السعودية بقيادتها الرشيدة وشعبها النبيل لم تدخل في سوق المزايدات الرخيصة، أو تصعد على مسرح الدجل العربي لترقص على جراح أطفال فلسطين كما يفعل البعض. نعم هناك من يشتم دولتنا ويتطاول على قيادتنا لأن السعودية لم تهدد العالم الغربي - الذي يقف خلف إسرائيل - بلغة العنتريات العروبية المعهودة، أو يهدد بضرب المصالح الغربية في أسواق النفط. وهناك من يطعن في تاريخنا ويرمينا بالعمالة لأننا الشعب العربي، الذي لم يخرج في تجمعات ميدانية أو مظاهرات شوارعية ليرتكب أعمال شغب وتخريب وسط هتافات الموت لأمريكا وإسرائيل، أو لأننا لم نُعطّل أنشطة تنمية بلدنا، أو نُوقف تفاصيل حياتنا تضامنًا مع غزة.
المضحك أن من يُشكك في مواقفنا السياسية، أو يطعن في مسيرة دعمنا لقضية فلسطين، أو يشتم قيادتنا على منابر الإعلام حتى قبل العدوان على غزة هو نفسه من يُطالبنا بقطع إمدادات النفط، وفي فتح الحدود!! وفي دعم الفصائل بالأسلحة، وفي طرد سفراء الحكومات الغربية! حالة من التناقض والهذيان، هو يرى السعودية شيطان وفي نفس الوقت يُريد منها المساعدة، بل هو يكرهها قبل قصف غزة! وهو يمارس هذا التناقض لأنه يعيش على بيع الذمم وتسعير الضمائر في سوق المزايدات العربية، فهذه السوق رائجة عند اندلاع الحروب وتجدد الصراعات على حساب أطفال غزة وضحايا القصف من الرجال والنساء الأبرياء! ما يهم هذا المُزايد هو أن يواصل الصراخ خلف الشاشة، داعيًا إلى الخروج على النظام والقانون، والتظاهر بالشوارع والإخلال بالأمن، وشتم الأنظمة ورفع الأعلام والشعارات الفلسطينية لدعم غزة! هكذا يتصور الانتصار لغزة وفلسطين بشكل عام، ولو بحثت عنه لوجدته يحمل الجنسية الإسرائيلية، ويُحاضر بإحدى جامعات تل أبيب.
أما المُزايد الآخر ممن يصف نفسه بـ(المعارض) وهو معتوه من مرتزقة الخارج، فهذا حالة أخرى وجلية من حالات الانحطاط الذي ليس له قاع، يشتم بلده من إحدى الدول الأوروبية، ولكنه لا يستطيع أن ينطق بكلمة نقد واحدة تجاه الدولة الأوروبية التي ينبح منها، رغم أنها تُعلن جهارًا نهارًا دعمها المطلق لـ(حق) إسرائيل في قصف غزة وتدميرها على رؤوس أهلها. هؤلاء هم أبطال المزايدات، وهم في خندق واحد مع إيران التي لزمت الصمت رغم شعاراتها الفارغة حول القدس والمقاومة منذ أربعة عقود، وكذلك مع دجال المقاومة وحزبه الشيطاني الذي يقول مبررًا خوفه وصمته بأنهم همّ من يختارون توقيت الرد على إسرائيل ومكانه، وهذا يذكرنا بمن قال: «نحن نملك حق الرد» عندما تم قصف مطاري دمشق وحلب. هذه المزايدات الرخيصة لن تُقدم شيئًا للإنسان الفلسطيني الذي يتعرض للقصف، أو المقاوم الفلسطيني الذي يواجه العدو الدموي؛ بل تجعل القضية الفلسطينية في حالة تخدير، وتُدخل العالم العربي في فوضى ومشكلات داخلية باستثارة شعوبه على بعضها.