حمد بن عبدالله القاضي
** هل جربت أن تفارق «دارًا» سكنتها سنوات من عمرك.
وعانقت فيها وهج الفجر وسناه.
هل جربت أن تفارق «بلدة» عشت فيها سنوات لا أبهى ولا أجمل منها في رحلة حياتك؟
وهل مرّ بك أن ابتعدتَ عن «أحبة» سكنوا قلبك.. ولكن الحياة نأت بك عنهم فعشت مرارة الفراق بعد شهد الرحيق؟
* * *
أجزم أن كل واحد منا اكتوى بألم النوى عن دار أو حبيب أو بلدة. وأنا مثل أي امرئ بهذه الحياة مرت عليه معاناة الفراق ودمعته!
لكن ترى..!
ما سر ذلك الألم الذي يسكننا عندما نفارق دارًا أو مدينة أو أحبة..!
* * *
هل هو الشوق إليهم، وإحساسنا أننا فارقنا من نحب، وأننا لا نستطيع أن نتذوق طعم الهناء إلا معهم يقول العربيّ المكلوم يجراح النوى:
«إذا ما أتَته الركب من نحو أهله
تنشّق يستشفي برائحة الرّكب».
أم أن العناء من البعاد عن هذه الأشياء التي فارقتها
وأولئك الأشخاص الذين بارحتهم أي انه التعود والإِلف؟
* * *
والمتنبي قبل أكثر من ألف عام يرى أن إلف هذه الحياة هو الذي أوقع في النفوس الألم على فراقها وفراق حلاوة عيشها:-
«إلفُ هذا العيش أوقع في
النفس أن الحِمَام مرّ المذاق»
أم يا ترى أن سر جذوة ألم البعاد هو أن الإنسان بطبعه يحنّ لذكرياته الحميمة ولكل الناس الذين لهم مكانة في قلبه.. لفارقت شيبي موجع القلب باكيا».
* * *
أزعم أن كل هذه الأسباب مجتمعة محرضة على شجن الفراق سواء جاءت مفرقة أو متحدة فالمحصلة هي معاناة الفراق ودمعته!
أبعد الله عنا وعنكم جحيم الفراق، وجعلنا نستمتع ولو إلى حين في نعيم الاجتماع.