د. جمال بن حسن الحربي
تبلورت وظيفة الدعاية من خلال استخدام وسائل الإعلام في تحقيقها لأهداف معينة قد تكون في غالبها سياسية وليس شرطاً أن تكون معتمدة على معلومات صحيحة وهذه الوظيفة برزت خلال الفترة بين الحربين العالميتين وما بعدها خلال الحرب الباردة. وتستهدف الدعاية استمالة الجماهير إلى الأهداف أو الاتجاهات أو الآراء، بشكل عمدي ومقصود بهدف إلحاق التأثير السلوكي وخلق واقع معين وتعبئة الجماهير أو المتلقين تجاه قضية ماء أو ضد حزب سياسي وذلك من خلال مخاطبة العواطف والغرائز والمصالح لتحقيق أهداف يرسمها القائم بالاتصال. ولذلك فإنها تعرف بأنها الجهود المخططة التي تستهدف التأثير في اتجاهات أو آراء الغير ليكون في الجانب المؤيّد أو الموالي، وذلك من خلال توظيف عدد من القوى الضاغطة على الفرد لتغيير آرائه أو توجيه سلوكه إلى الاتجاهات المستهدفة. وعرف دانيس ماكويل وظيفة التعبئة بعد تصنيفها ضمن وظائف الإعلام، بأنها المساهمة في الحملات الإعلامية ذات الأهداف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تستهدف تعبئة الجماهير.
وتحدث «غوستاف لوبون» في كتابة «سيكولوجية الجماهير» بأن القائم بالاتصال يدرس أهم السمات العاطفية والعقلانية للجمهور لكي يفرض عليه أفكار وإشاعات لأحدث التغيير في عقلية الجماهير أو تبني إشاعات تجاه قضية ماء أو حزب سياسي أو دولة ماء، ترتبط في وظيفة الدعاية الإعلامية وظيفة التضليل الإعلامي والتي صنفها المختصون بأنها أحد أشكال الدعاية، يعرّف الدكتور فريد حاتم في كتابه «الدعاية والتضليل الإعلامي» بأنها عملية نشر معلومات كاذبة أو ناقصة لتضليل الجمهور المتلقي أو تحريف الحقائق أو جزء منها. ومن الأمثلة على ممارسات التضليل الإعلامي ما حدث مع أحد رؤساء إحدى الدول العظمى عام 1942م عندما انخفضت شعبيته في الأوساط السياسية والشعبية الأمر الذي دفعه للاستعانة بخبير إعلامي قام بدورة بتدبير خطة تضليل إعلامي وذلك بدعوة لمشاهير ونخب مجتمعية وفنية لزيارته وإظهار المحبة له أمام الشاشات التلفزيونية. ومن الأساليب ما يحدث من تضليل إعلامي مؤخراً بين دولتي وذلك بتداول مقاطع الفيديو التي يدين بها كل طرف الطرف الآخر ثم تبيّن أنها مشاهد من لعبة فيديو تُسمى «وور ثاندر» وأحد هذه المقاطع يدعي ناشره أنه إسقاط لطائرة لطرف من صاروخ جوي من الطرف الآخر ليتبيّن فيما بعد أن المقطع يعود إلى طائرة قديمة سقطت في إحدى الدول ليس لها علاقة عام 2011م.
ومن أساليب التضليل الإعلامي ما يُعرف بالتأطير الإعلامي والذي يعّرف بحسب (مكاوي، وليلى السيد) بأنه «انتقاء متعمد لبعض جوانب الحدث أو القضية، وجعلها الأكثر بروزاً في النص الإعلامي، واستخدم أسلوب محدد في توصيف المشكلة، وتحديد وتقديم أبعادها وطرح حلول لها. وبيّنت نتائج بحث أجريته مؤخراً بعنوان «أطر معالجة المواقع الإخبارية الدولية لجائحة كورونا» دراسة تحليلية في ضوء نظريتي الأطر الإخبارية والسياق، استخدام المضامين الإخبارية أطر الصراع السياسي واستغلال جائحة كورونا في الصراع السياسي بين الدول العظمى والتي كشفتها المضامين الإخبارية لعينة المواقع الإخبارية الدولية وهذا لا شك بأنه أسلوب من أساليب التضليل الإعلامي. وهذه الأساليب أحد أسلحة الصراع الإعلامي عبر المضامين الإعلامية أو الإخبارية.
وبعد هذا التوضيح عزيري القارئ سأخبرك بما وجدت في أحد البلدان الإسلامية الذي أعمل به حالياً وهو بالطبع موضوع ذو صلة وثيقة بما تقدم آنفاً، فقد كنت أعتقد محدودية تبني مثل هذه الإشاعات المغلوطة التي استقرت بأذهان شريحة كبيرة منهم وقد أرجعت هذا التأثر إلى أن هناك استغلالاً تراكمياً طويل المدى من قبل بعض وسائل الإعلام المؤثرة المحلية لديهم لبعض القضايا السياسية ذات العلاقة بالأزمات السياسية الإسلامية من خلال تمرير معلومات مغلوطة وإحداث حملات تشويه وتضليل أدت إلى خلق حالة وصورة ذهنية مغلوطة وغالباً من يقف خلف هذا التضليل والتأطير التيارات السياسية والدينية التي تتخذ الميادين الإعلامية لبعض الدول مسارات لتضليل والصراع الإعلامي.
أخيراً أرى أن يتم اتخاذ إستراتيجيات إعلامية عربية تستهدف مجابه هذه الحملات التضليلية، كإستراتيجية الرد عبر وسائل الإعلام المؤثرة المحلية لديهم لنشر الحقائق والتوضيح وتبني إستراتيجية الرد عبر منصة خاصة ورسمية على قنوات التواصل الاجتماعي بالإضافة إلى تحليل المضامين الإخبارية إلى الوسائل الإعلامية المؤثرة لديهم وخصوصاً أنها ناطقة بغير العربية لمعرفة ما يظهر أو يضمن من مضامين إعلامية موجهة والذي بدوره يسهّل إستراتيجية التعامل والرد.