إبراهيم بن سعد الماجد
مطالبات الأشقاء والأصدقاء وقت الكوارث والأزمات، حتى وإن كانوا من قبل لنا شاتمين، ولمواقفنا ناكرين، هي في الحقيقة لا تضايقنا، بل تزيدنا فخراً وعزاً.
فالكبير هو من يُذكر وقت الضيق. وكون بلادنا تتبوأ هذه المكانة العالية دينياً واقتصادياً فإن المسؤولية عليها مضاعفة، ويجب علينا أن لا نضيق ذرعاً بمن يطالبنا بتحمل أكبر مسؤولية في أي قضية كانت، فمن كان قدره أن يكون كبيراً فعليه أن يتحمل المسؤوليات مهما كانت كبيرة ومرهقة، والمملكة منذ تأسيسها على يدي الملك الموحد عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود - رحمه الله وأسكنه فسيح جناته - وهي تضطلع بهذا الدور بكل اقتدار، وما عرف عن الملك عبد العزيز أنه تأخر عن أي مطلب قومي أو إسلامي بل كان دوماً يقود المبادرة ويتحمل تبعاتها، وجاء من بعده الملك سعود ثم الفيصل ثم الملك خالد ثم الملك فهد فالملك عبد الله بن عبد العزيز وجميعهم رحمهم الله كانت قضية فلسطين هي قضيتهم الأولى ودافعوا عنها بكل السبل.
وجاء عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله - الذي ارتبطت ذاكرتنا عن فلسطين باسمه منذ نعومة أظفاره، فهو من رأس اللجنة الشعبية لإغاثة الشعب الفلسطيني على مدى عقود من الزمن إبان إمارته لمنطقة الرياض، فقد كان ملاذ كل فلسطيني، وهو الداعم والداعي لنصرة هذا الشعب المضطهد المظلوم، وله كلماته المشهورة الداعية لنصرة الشعب الفلسطيني، كما أن له حفظه الله مواقفه المشهورة المشهودة في المحافل الدولية نصرة لفلسطين.
واليوم ونحن نعيش هذه الأزمة الإنسانية، بل الفاجعة على أرض غزة، شاهدنا منذ اليوم الأول السابع من أكتوبر تحركات صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، على كافة الأصعدة، واستقبالاته لمبعوثي الدول، واتصالاته بالدول العظمى، وتكليفه لسمو وزير الخارجية في حضور وزيارة أنحاء العالم نصرة لهذه القضية، ورفعاً لهذا العدوان الغاشم.
ولتكون هذه الحملة الإغاثية الإنسانية التي دعا إليها خادم الحرمين وسمو ولي عهده وافتتاحها بـ 30 مليون ريال من الملك و20 مليون ريال من ولي العهد لتخفيف الألم عن هذا الشعب المحاصر المظلوم.
إن الجهود التي بذلها ومازال يبذلها سمو الأمير محمد بن سلمان تجاه هذه القضية ماهي إلا تحمل للمسؤولية أباً عن جد، لا يبتغون من وراء ذلك جزاءً ولا شكوراً، إلا من الله جلّ جلاله. قدرنا أن نكون كباراً.. نعم هذا هو قدرنا ولذا كانت قيادتنا منذ الموحد كما أسلفت إلى هذا اليوم وهي تتحمل أعباء هذه المسؤولية بكل اقتدار، ولكن ليس كل ما يعلم يقال، وليس مطلوباً من الرجل الذي يتحمل المسؤولية أن يعلن للجميع ماذا هو صانع وماذا هو يريد؟ خاصة في الظروف التي تختلط فيها الأوراق ويكون الأمر كبيراً وخطيراً كما هي قضية فلسطين هذه الأيام. قدرنا أن نكون كباراً.. ولذا فلا غرابة أن تتطلع الشعوب العربية إلى خادم الحرمين وإلى هذه البلاد بشغف كبير طلبا لموقف سياسي أو دعم مادي أو معنوي وبكل لهفة، وطبيعي جداً أن نسمع من ينادي بأعلى صوته وربما تجاوز المألوف قيادتنا بحل مشكلة هنا أو مشكلة هناك، فالكبير دوماً مهموم ومثقل بهموم الآخرين وإن نأت. إن مواقف المملكة العربية السعودية من قضايا الأمة لم تكن يوماً من الأيام متخاذلة ولا متقاعسة بل كانت دوماً خير من يستنهض همم الآخرين ويوحد صفوفهم، ولو أردت أن أستعرض مواقف المملكة من قضايا أمتنا العربية والإسلامية لطال بنا المقام. واليوم والقضية الساخنة قضية فلسطين وتحديداً غزة وهذه الفاجعة والكارثة الإنسانية البشعة بكل المقاييس، حيث مارس العدو كل أنواع البطش والتنكيل.. وبمن؟ بالأطفال والنساء والشيوخ بلا رحمة ولا شفقة إنسانية، تقف المملكة موقفها الواضح والصريح من حيث الدعم الشعبي والمعنوي الكبير، وتتحرك قيادتها في المحافل الدولية بشكل لا يقبل المزايدة، وهي بلا شك تعمل بدبلوماسية يجهلها الكثير تصب كلها في مصلحة هذه القضية التي كثر عليها المزايدون، ولكن وكما يقال لا يصح في النهاية إلا الصحيح.