رمضان جريدي العنزي
خالد الفيصل بن عبدالعزيز، يكتب قصيدة توجدية يسندها على ابنه بندر بن خالد الفيصل في أحدث قصيدة له، إنه الوجد بأرقى معانيه، والذي يبدو بأنه كتبه بماء القلب، ذلك أنها تحتشد برقة البوح، وهيبة الخبرة، وهي قصيدة تنحاز وبقوة لتأوهات الذات وآلامها، للقصيدة بنية راقية، ومناخ مغاير، وطقس جذاب، استخرج سموه من لجة فؤاده درراً غزيرة نثرها في فضاء الشعر، حتى صارت القصيدة ماثلة لها بريق ووهج، ولها إشراقة بهية رغم معاناة وتكالب الوقت والزمن، وفي القصيدة تواصيف لا يمكن أن يوردها سوى صاحب الخبرة والمعرفة والدراية، والشاعر دايم السيف في هذه القصيدة مثل الغواص الذي يجيد مهنة الغوص وعمليات استخراج اللؤلؤ بطريقة عجيبة وذكية، وهو من استحوذ الألم بعد أن استحوذ عليه، وفق نظم رشيق وسلس.
الشاعر كشف اختلاجات روحه المليئة بالصخب المبني على معاناة، للقصيدة أشطر وأبيات مضيئة، ولها سرديات عاصفة وجارفة من معان وأخيلية، ولها تضاريس بين المعاناة والألم، وللقصيدة معان وتحولات بالمعنى الدرامي وفق أزمنة طويلة وخبرات متراكمة، كما أن التجسيد الملموس في ثنايا القصيدة يعد لفظاً قويماً، يجمع بين أضداد متعددة، لا يجيده سوى المتمرس، فالأسلوب الرقيق والعذب واضح وجلي ولا يحتاج لفحص دقيق ومقارنة ومعاينة وبحث وتقصٍّ، كون القصيدة كتبت بالأسلوب السهل الممتنع، كما أن نص القصيدة رشيق وثق من خلال الضنى والتعب، وتم هندسته من حجم المعاناة، التي لها صور ومضامين تم توظيفها من خلال السرد مثل الطباق والإيجاز والمحسنات البديعية، وهذه العناصر إن وجدت في أي نصٍّ يصبح النص جمالياً وإيحائياً وله ضوء وبريق، خاصة وأن الألفاظ في القصيدة تتسم بالسهولة، والبساطة والوضوح، فلا تعقيد فيها، ولا غرابة، ولا وعورة، القصيدة من أولها لآخرها تسير على وتيرة واحدة، وتسيطر عليها عاطفة ذاتية وجدانية، أهم صفاتها: الصدق، العمق، القوة، وحدة النسيج، اللوعة، الحرقة، المرارة، والألم، كلها ألفاظ وردت في القصيدة لتخدم المعنى، والفكرة التي جاءت من أجلها.
والقصيدة تنبص بدقات متتابعة، متناسقة، متناغمة، تعبر عن مشاعر فياضة، وأحاسيس مختلفة، كان الشاعر موفقاً في صياغتها وتنسيقها، ليس من الصعب أن يختار الشاعر موسيقاه في أي قصيدة يبدعها، ولكن الصعوبة تتمثل دائما الروح الشفافة والأحاسيس التي تتسق مع هذه الموسيقى التي اختارها، والشاعر في هذه القصيدة كان موفقاً سواء بالكلمة أو بموقع هذه الكلمة، في التصميم البنائي، والتركيب اللغوي، ولعل ذلك هو السبب الذي يجعل القارئ يطرب لشعر سموه النابع من الخبرة والمعاناة والدراية والمعرفة.
إن قلت وش لونك؟ فلانيب بالحيل
همي كبير وداخل القلب علّه
عيّا يرد الصّبح مسترسل الليل
وعيّا يقوم الحظ من طيحةٍ له
رجلي وغيري راكبٍ صهوة الخيل
أشقى وغيري ياخذ الكار كلّه
يا بندر امزج فايح البنّ والهيل
وبهّر بها يا بوك للكيف دلّه
أبا اطرد هموم تلاطم كما السّيل
كل ما بغى يدله فوادي تتلّه
عجزت متوني وارتدم فوقي الشّيل
والرّجل جاها من حصا الدرب خلّه
تمشي جروح الوقت في خافقي غيل
وتلمع سيوف الضّيم في الوجه سلّه
إن قمت طقّ الغار راسي من الميل
وإن جيت أبا اقعد فوق جمرٍ وملّه