عثمان بن حمد أباالخيل

حياتنا الاجتماعية وعلى اختلاف ألوانها وأشكالها وتوقيتها تزخر بسياسة الأمر الواقع عند شريحة معينة من الرجال والإناث الذين يفتقدون مبدأ الحوار وأهميته هم يؤمنون بقوة الرأي المبني على أرض هشة، يخافون من الحوار لضحالة موقفهم وحجتهم. الأمر الواقع مصطلح في عالم السياسة والإعلام وهو التعامل مع الواقع على اعتباره أمراً لا يمكن تغييره، وتستخدم في سياق فرض طرف قوي لإرادته على طرف آخر ضعيف وحمله على قبولها والتكيّف معها. هناك من يرفض الأمر الواقع الذي لا ينسجم مع وضعه وتوجهاته وعليه تحمّل تبعيات هذا الرفض، وهناك من يقبل بسياسة الأمر الواقع لضعفه وخوفه من تبعيات رفضه. سياسة الأمر الواقع مرفوضة شرعاً ولا يحل اتخاذها قاعدة للتعامل فإن ما بني على باطل فهو باطل. سياسة الأمر الواقع، باختصار، هي فرض تفكير معين وسلوك معين على الآخرين، إلى جانب تسيير الآخرين حسب الرغبة وبالفرض دون احترام لرغباتهم وتوجهاتهم وأوقاتهم.

في الواقع هناك من يمر بتلك الظروف أو يعيشها، ولكن ردة أفعالنا تتفاوت وتختلف، فهناك من يتساهل ويتنازل، وآخرون يظهرون امتعاضهم لكنهم يستمرون بقبول ما فرض عليهم على سبيل المثال، هناك بعض الأزواج الذين يعتمدون على سياسة الأمر الواقع في حياتهم الزوجية وذلك من خلال فرض شيء ما على الطرف الآخر دون استشارته مسبقاً فتكون تلك الطريقة بعيدة كل البعد عن التفاهم والنقاش والحوار الهادف وتسبّب العديد من المشاكل التي حصر لها. في المقابل كثيراً ما تضع الزوجة زوجها أمام الواقع، وكثيراً ما يتغاضى الزوج ويسلم بالأمر دون ضجيج، كرماً منه وتلطفاً، لأن بعض الرجال يفهم كثيراً بأن سيد قومه من يتغاضى، فلا يدقق النظر كثيراً. الأمثلة كثيرة في حياتنا الاجتماعية وربما يؤلف منها كتب وقصص عن قبول ورفض الأمر الواقع.

إلحاق الأذى أو الألم بإنسان آخر مسالم لا يستطيع أن يرد لك الصاع صاعين، قسوة لا تطاق، لكن اللافت أن ذلك الأمر يحدث بشكل يفوق ما يمكن أن تتصور بين الناس أنهم أولئك الخائفون من وقوفهم على منحدر سحيق والخائفون من صحوة ضمائرهم. في لهجتنا العامية قول (حطه قدام الأمر الواقع) قول يسلكه الإنسان الذي لا يملك الثقة بنفسه ويهوي الهروب إلى الأمام. للأسف هناك من يرضي الواقع الذي فرض عليه وذلك بسبب إن واقعة أشد قسوة ومرارة وما أكثرهم في محيطك الاجتماعي وفي دائرة اهتمامك لهؤلاء المحبطين والذين لا يستطيعون تغيير واقعهم (التقدم مستحيل بدون تغيير، وأولئك الذين لا يستطيعون تغيير عقولهم لا يستطيعون تغيير أي شيء.). - برنارد شو

همسة:

لأولئك الذين يفرضون الواقع غير المقبول والمرفوض على الآخرين: لا قيمة لحياتكم إذا فرضتهم الأمر الواقع على حياة الآخرين الذين لا يستطيعون تغيير واقعهم، فارحموا واستمتعوا بالواقع الجميل حين تسعدون الآخرين.