د. إبراهيم الشمسان أبو أوس
أما العنوان الثامن الذي جاء في كتاب النحوي القدير الأستاذ الدكتور/ محمد عبدو فلفل (المعنى في النحو العربي بين الوفاء لوظيفة اللغة وإكراهات الصنعة النحوية) فهو (الإعراب والمعنى عند ابن هشام).
عالج أستاذنا موقف ابن هشام كما تبين في كتابه (مغني اللبيب عن كتب الأعاريب)، إذ عدّ ابنُ هشام أول ما يعترض على المعرب أنه يراعي مقتضى الصناعة لا المعنى، وذكر الأستاذ أن ابن هشام بعد أن أكد نظريًّا وعمليًّا ضرورة فهم المعرِب معنى ما يعربه قبل الإعراب ذكر أمثلة لمراعاة بعض النحاة ظاهرَ اللفظ لا موجبَ المعنى، وفي هذا مراعاة للصناعة النحوية دون المعنى، وهذا ما حمل ابن هشام على الدعوة لمراعاة المعنى عند الإعراب.
وبيّن الأستاذ أنه لا تكفي مراعاة المعنى عند ابن هشام لصحة الإعراب بل لا بد من مراعاة ضوابط الصنعة النحوية، وإن أدى ذلك إلى افتعال أو تكلف في التأويل والتقدير، ويظهر ذلك في الكلام على الاعتراض الثاني على المعرب وهو مراعاته لمعنى صحيح مهملًا صحة الصناعة، ومثاله إعراب قوله تعالى {وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى} [51-النجم]، وظاهر اللفظ قد يدعو إلى إعراب (ثمودَ) مفعولًا به للفعل (أبقى) ولكن ابن هشام يمنعه؛ لأن (ما) النافية لها الصدارة ولا يتقدم ما في حيزها عليها، والإعراب الصحيح أن تكون (ثمودَ) معطوفة على (عادًا)، قال تعالى ?{وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى، وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى} [50-51 النجم]، أو منصوبة بفعل مقدر (وأهلكَ ثمودَ)، ويعلق أستاذنا «وهكذا يسترسل ابن هشام في ذكر نماذج مما صح فيه الإعراب معنى، ولكنَّ فيه إخلالًا بأصل من أصول النحو، فيدعو ابن هشام إلى التحول عن الإعراب الوافي بالمعنى، والذي لا تكلف فيه ولا افتعال إلى إعراب يفي بالمعنى أيضًا، ولكن فيه ما فيه من افتعال وتكلف في التقدير والتأويل لتكييف النص مع متطلبات أصول النحاة، مما يشي بما قلناه من قبل من أنّ الإعراب عند النحاة لم يكن فرعًا للمعنى فقط، بل فرعًا لتكييف النص مع قواعدهم» (ص94).
ولعلي أتوقف في قول أستاذنا؛ إذ ما ذهب إليه ابن هشام هو تجنب الإعراب وفاقًا لظاهر اللفظ، وهذا القول منسجم مع دعوته إلى فهم المعنى أولًا ومراعاة مقتضى الصناعة، ففي المثال المذكور آنفًا لا يصلح عد (ثمود) مفعولًا به لأبقى؛ لأن ذلك يعاند المعنى؛ فالإبادة شاملة لعاد وثمود، ولو جعل (ثمود) مفعولًا لأبقى صارت الإبادة لثمود وحدها، وهذا ليس المراد، وفي الأمثلة الأخرى نرى ابن هشام يدعو للإعراب المحقق للمعنى الصحيح.
ويقفنا على قول ابن هشام في (مغني اللبيب عن كتب الأعاريب، ص: 722) «يجوز فِي الِاسْم المفتتح بِهِ من نَحْو قَوْله هَذَا أكرمته الِابْتِدَاء والمفعولية»، وينقل نصوصًا أخرى مشابهة، ليعلق بعد ذلك بقوله «على هذه الشاكلة يمضي ابن هشام في ذكر مختلف أوجه التحليل الإعرابي بلا أية إشارة إلى ما يترتب على الاختلاف في التوجيهات النحوية من اختلاف في المعنى، مما يعني أن الاختلاف في التحليلات الإعرابية لا يعني بالضرورة اختلافًا أو تعددًا في معنى التركيب المحلل بقدر ما يعني استثمارًا من النحاة لما يرونه من أحكام وضوابط صناعية». ومثل هذا القول متوقف فيه؛ لأن قول ابن هشام جاء في سياق ما يدخل على المعرب، وهي مسائل للتمرين، وليس التركيب في نص قد تتعين فيه دلالة تقتضي إعرابًا محددًا، قال (ص: 722) «الْجِهَة الْخَامِسَة أَن يتْرك بعض مَا يحْتَملهُ اللَّفْظ من الْأَوْجه الظَّاهِرَة ولنورد مسَائِل من ذَلِك ليتمرن بهَا الطَّالِب مرتبَة على الْأَبْوَاب». ولذلك تعمد ترك الإشارة إلى الدلالة لبيان كون التركيب محتملًا لهذا التعدد. وكنت تمنيت لو أن أستاذنا عالج المثال بما يراه صوابًا، أي كيف سيعرب جملة (عيسى أكرمتُه).
وينقلنا بالاستطراد إلى قول لخليل عمايرة عن تعدد أعاريب اللفظ الواحد في كتب إعراب القرآن الذي يؤدي إلى تعدد الدلالة، وهو عكس لمقولة الإعراب فرع على المعنى، ويرى أن هذا بسبب نظرية العامل.
ويرى أستاذنا أن قول العمايرة هو احتجاج له ما يسوغه عند صاحبه الذي ضاق ذرعًا بتحكم نظرية العامل بالتحليل النحوي الإعرابي، وإن كان ذلك على حساب وضوح المعنى.