د.فهيد بن رباح بن فهيد الرَّباح
تحيةٌ أرجها منشوق وعبقها معشوق لكم معاشر القرَّاء الكرام..
كلامي هذا سيكون على نقد النَّقد، والمراد بذلك ما يُداخل به على ما يُنتَقَد، وبشكلٍ أخصَّ هو مناقشة ومفاتشة لما يبديه النَّاقدون المحكِّمون الفاحصون من الأساتذة لما يُرفع إليهم من بحوث لتحكيمها وما يبدون من منتقداتٍ وملاحظ على البحوث، ولن يكون حديثي عن عمومات العمل، وما قد يقع فيه ممَّا يُعدُّ حيفاً يتنغَّص به الباحث، بل به يُحرَم الباحث من نشرٍ في مجلَّة ما هو قد تقصَّدها أمَمَاً للنَّشر؛ فيُحرَم برأي أستاذٍ أو أستاذين، فيعدل بذلك الباحث إلى مجلَّة أخرى ينشر بحثه فيها ليست له بحبٍّ، وليس الأمر من ضعفٍ في هذه أو تلك، لكن للباحث طموحاً ورغبة في نشر بحثه في هذا الوعاء العلميِّ أو ذاك قصداً.
ووجهات النَّظر قد تتباين، والآراء قد تختلف، واختلاف الآراء قد تكون مراجعه علميَّة منهجيَّة، وقد تكون ذوقيَّة انطباعيَّة، فحيناً يتمايز بعضها من بعض وحيناً تختلط؛ لذا أقول: لاختلاف الآراء بين الأساتذة يكون اختلاف الأحكام، بل إنَّ الأستاذ الواحد عينَه لو طُلب منه إعادة النَّظر في قوله وحكمه الأوَّل لكان قد نزع إلى قول آخر غير ما قال أوَّل أمره، لكون القول الأوَّل فائل، وربَّما لو نوقش ونوزع فيما منعه فيمَ منعه؟ لربَّما غيَّر رأيه وأجاز ما منع، وهذا أمر طَبَعيُّ طَبْعيٌّ.
وهذا أمر مشاهد في الأوساط الأكاديميَّة، ومجالس الأقسام خير شاهدٍ على ذلك؛ إذ تجد الأستاذَ ذا رأيٍ، فإذا عُرض رأيه على المجموعة وعورض ونوقش فيه إذ يتبدَّى له ما كان لم يظهر له/ لم يلحظه/ أو غفل عنه، وفي النَّهاية يغيِّر رأيه عن قناعة، ويأخذ بالقول الجديد ويدع رأيه الفارط وحكمه الأوَّل.
وقد قيل: النَّظرة الأولى كاذبة فقطعاً هي ليست كالثَّانية الفاحصة، والحكم الأوَّل خادع، والرَّأي الفطير ليس كالرَّأي الخمير، والحكم الانفراديُّ ليس كالجماعيِّ، والرَّأي المنفرد ربما افتقد المحص، وهو ليس كالرَّأي الممحَّص بالمراجعة والمعارضة والمناقشة.
ولأجل ذلك أحقُّ أنَّ طريقة المجلَّات العلميَّة كما هو متعارف عليه ومشتهر من عرض البحث على أستاذين محكِّمين، وعلى وِفاق حكمهما يكون قبول البحث ونشره من عدمه, أرى في هذه الطَّريقة قصوراً، وهذا أمرٌ علاجه قد يطول، وليس هو مبسط كلامي، ولا ما ههنا هينمته.
وقد يكون علاجه قصيراً؛ إذ أقصر علاجَيه أن يكون الحكم بعدم صلاحيَّة بحثٍ ما للنَّشر ليس كاملاً للفاحص، بل له نصف القيمة الحُكميَّة (50 %)، والباقي يكون للَّجنة الاستشاريَّة أو للجنة هيئة التَّحرير، وذلك بالنَّظر إلى قوَّة الملاحظ من ضعفها، وحقيقتها من تكلُّفِها، وقوَّة جواب الباحث عن الملاحظ من ضعفه، وتكون لجنة هيئة التَّحرير كمحكمة الاستئناف في القضاء من جهة قبول الحكم واعتماده أو ردِّه والأخذ بغيره.
ومن الملاحظ أنَّ البحث إذا كان ذا رؤى جديدة استريب منه وامتعض، كما أنَّ عنوان البحث إذا كان تقليديّاً ازدري وانتقد، ومن عجبٍ أنَّ هذين نقيضان، فالعلَّة في الأوَّل أنَّه موضوع جريء قد ابتدع؛ فيأتي السُّؤال: ما ومَن سلفك؟ والعلَّة في الثَّاني أنَّه موضوع مستهلك قد احترق، فقد باد وقتل بحثاً، وأعجب من ذلك أن يكون هذا الفكر المزدوج عند الأستاذ المحكِّم نفسه، فإذا جاء الجديد ردَّه لابتداعه، وإذا جاءه القديم ردَّه لاستهلاكه.
وما سأكتبه في هذا الكَتْبِ هو وقوفٌ على ملاحظ علميَّة هي في رتبة التَّغيير دون ما أسلفتُ من ذكر سياسة النَّشر وضوابطها، لكنما هي ملاحظ يكثر ارتيادها من الفاحصين، وتنسرب ألفاظها من أسلات أقلام الأساتذة المحكَّمين، بعضها ذو صلة بي خاصَّة، وبعضها أنا مطَّلع عليه من زميلٍ، وبعضها حديث مجمع الباحثين، ومن عانى البحوث العلميَّة المحكَّمة يعرفها حقَّ المعرفة، وما سأذكره سيجد له الباحث بوح هوى، وبرد جوى.
** **
[متبوع]