علي الزهراني (السعلي)
إن الشعر له وقع في النفس تثيره الحروف وتزرعه الكلمات وتشجن له عواطف العاشق للحياة للسعادة للفرح للأمل المنتظر، لذا سيبقى الشعر ديوان الشجن وملهم العشّاق وبحبوحة الفؤاد، الشعر متسع للتأمل لمجاراة القمر لاستنطاق كل الجوامد كما قال الشاعر الجميل أحمد شوقي حين سأله أحدهم ما هو الشعر؟ فأجاب: الشعر هو استنطاق الجوامد!
وأقول ليس شرطا أن يكون قارئ الشعر بالضرورة شاعرا بل أراه من وجهة نظري أهم من ذلك بكثير، إنه يا سادة يا كرام المتذوق العاشق لجمال الحرف وإبداع الكلمات وتألق القوافي، قد لا يكون كاتب الشعر يقصد معنى في أبياته تلك التي يفهمها متذوق القصيدة لكن العاشق يرى ما لا يراه الكاتب من وجهة نظره هو، فالشعر حالة يسبكها الشاعر ويتلقاها القارئ بنهم بالغ ويفصلها جواهر لحالته التي قرأ فيها الأبيات وهنا سِرّ فنيات الكاتب المتقن بأن يجعل شعره غامضا لا يفكّ شفرته سوى من وقعت نفسه من القصيدة مبلغه فتراه دون أن يشعر يصفق كثيرا وربما يقف من حسن ما قرأه أو سمعه مندهشا ومستغربا معا ولعلي هنا في مقالي هذا أورد أبياتا للشاعر خالد الكديسي صامتا حقيقة ليترك للآخرين ضجيج قصيدته حين تقرأها أو تسمعها .. تعالوا معي نورد النص ثم دعونا نفسرها على ما نراه نحن كمتلقين يقول الكديسي:
أحمل فنجان قهوتي السوداء
القي عليها السلام وابتسم
تفز في مكانها غير مصدقة
أني واقف أمامها
وضعت قهوتي من يدي
وسرحت للحظة في عينيها
لا فرق بين سواد قهوتي
وبؤبؤ عينيها
ولا أجمل من نظراتها
ضحكتْ وغادرتُ المكان مسرعا
وأنا أقبض على ضحكتها حتى لا تطير
وتختفي في المكان المزدحم
هنا مقطع من قصيدة نثرية تعالوا معي نقرؤها معا:
ابتسامة في نص (أنا وقهوتي)
تعبيرية فهو يخاتلنا نحن القرّاء بأن مع القهوة ابتسامة وهذا حال الشعراء حين يمهدون لنصوصهم، لكن يترك لنا حرية الصدمة الأولى التي لا نملك معها غير الصبر عنوة تفزّ من مكانها لحظة قراءتها، وهنا الصدمة، نكمل من نفس النص:
(غير مصدقة أني واقف أمامها)
السؤال هنا لماذا؟
لم يقل مثلا غير منتبهة!
في ظني أن الشاعر نثر وردا هبط على القارئ من خلال الصدمة الأولى فالطبيعي يكون سبب الصدمة قويا فالصدق في اللقاء يأتي عنصر المفاجأة وهنا بالضبط ما أراده فغير مصدقة أبلغ حركية «أني واقف أمامها» تأتي بالصدمة، هنا نفث شاعر هنا دراما بين نفس ونفس بين ذات متعبة وذات متلاحقة هنا صورة فنية رسم ملامحها رسّام دون لوحة دون فرشاة لكن العيون فقط من تحركت ومن سوادها برزت لوحات تغزل من الحرف الكلام.. خالد حين يكتب يبقى الصمت سيّد المكان وشاعري الزمان خالد يعزف بوتر اللقاء ويدندن بقبض فرح.. هذا النص الذي قمنا بقراءته وفسرناه على طريقتنا كمتلقين ومتذوقين من جهة وربما هناك من قرأه بوجوه أخرى والأغرب قد يكون كاتب النص يقصد معاني غير ذلك، وهنا تأتي جمالية الشعر ووقعه في النفس.
سطر وفاصلة
عدتُ محمّلا بجراب الأسئلة
اللوحة زيتية بلا ملامح
والنور الذي يسري كان
كيف أجمع الظلام في يدٍ
والأخرى السلام
ومتى يعود القمر يسامر
بالحب بزوادة مسافر
ماذا بقي يا قلبي
قل لي:
كم من سهامك نفذت
ومن غربةٍ مزّقت ؟
تخثّر الحرف عند بوابة
الغمام