خالد محمد الدوس
اهتم عدد كبير من المفكرين والباحثين في الشرق والغرب بالدعوة إلى إثراء علم الاجتماع وميادينه، واستخدام مناهجه العلمية في دراسة المجتمع البشري وظواهره، واكتشاف قوانين النظام الاجتماعي الذي يحافظ على استقرار المجتمع وضبط توازنه. وقد أسهم كثير من المفكرين والمنظرين والعلماء في إثراء هذا الميدان العلمي الخصيب، وإشباع اتجاهاته السوسيولوجية. ومن المنظرين والخبراء في علم الاجتماع في جمهورية مصر العربية العالم الراحل الأستاذ الدكتور حسن الساعاتي -رحمه الله تعالى-.
ولد العالم الراحل د. حسن الساعاتي في محافظة القليوبية الشعبية عام 1916 وبعد أن أنهى تعليمه العام التحق بجامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة حالياً). ونال شهادة البكالوريوس من قسم اللغة الإنجليزية عام 1938 ثم واصل تعليمه العالي حتى نال شهادة الدكتوراه في الفلسفة في علم الاجتماع من جامعة لندن عام 1946 وكان من الرواد الأوائل الذين نالوا شهادة الدكتوراه في علم الاجتماع في الجمهورية العربية المصرية وأسهموا بالتالي في نمو علم الاجتماع في أعرق الجامعات في مصر مع بقية العلماء والرواد في هذا الميدان الخصيب أمثال الدكتور سيد عويس والأخوين د. مصطفى ود. أحمد الخشاب رحمهم الله تعالى وغيرهم من العلماء الأفذاذ الذين تركوا بصمات خالدة في مسيرة نمو علم الاجتماع وتطوير برامجه النظرية ومنهجيته العلمية والمهنية في مصر الحضارة والثقافة.
وبعد عودته لموطنه وهو مرصع بالعلم والمعرفة عمل بالمعهد العالي للخدمة الاجتماعية في حلوان عام 1946 ثم انتقل للعمل الأكاديمي في جامعة الإسكندرية ثم جامعة عين شمس وتدرج في السلك الأكاديمي حتى نال الدرجة الأستاذية عام 1961 ورشح عميداً في كلية الآداب بجامعة عين شمس (1961-1968) وساهم في تأسيس قسم الاجتماع وتطوير مناهجه مع بقية العلماء الأوائل في هذه الجامعة العريقة، كما عمل عضو لجنة الفلسفة والاجتماع بالمجلس الأعلى للثقافة ومقررها, وعضو ومقرر اللجنة العلمية الدائمة للأساتذة في الفلسفة والاجتماع وعلم النفس, وعضو المجلس القومي للثقافة, ومستشار وعضو مجلس إدارة المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية, كما انتخب عضواً في لجنة السكان بالمجلس الاجتماعي والاقتصادي بهيئة الأمم المتحدة عام 1968 لمدة ثلاث سنوات.
ومثّل مصر في العديد من المؤتمرات الدولية. وقد وجّه العالم الراحل الدكتور الساعاتي جهوده وإسهاماته (تدريساً وبحثاً وتطبيقاً) في ميادين مختلفة من علم الاجتماع وذلك في العديد من الجامعات المصرية والعربية والمراكز البحثية وأسهم في تخطيط برامجها وألقى بحوثاً في كثير من المؤتمرات العلمية العربية والعالمية وهو عضو في إحدى عشرة هيئة علمية.
ألّف -رحمه الله تعالى- ما يقارب ستة عشر كتاباً في علم الاجتماع وميادينه أثرى بها مكتبة علم الاجتماع وتراثها الأصيل ومن أبرزها: كتاب علم الاجتماع الجنائي عام 1951، وعلم الاجتماع القانوني عام 1968، وكتاب علم الاجتماع الخلدوني عام 1978، وكتاب قواعد المنهج وعلم الاجتماع الصناعي عام1982, وكتاب تصميم البحوث الاجتماعية وهو من أوائل الكتب الثرية وهو يضم ثمرة جهده العلمي المركز والطويل الذي أوقفه على البحث العلمي الاجتماعي في مصر، وكتاب علم الاجتماع الصناعي، وكتاب دراسات في علم اجتماع السكان.
كما قدم أبو علم الاجتماع في مصر د. حسن الساعاتي العديد من النظريات ومن بينها نظرية الوعي المصري للعدالة التي تعد مفتاحاً للشخصية المصرية حيث استطاع أن يقدم مقاربة موضوعية للهوية في علاقتها بين الفرد والمجتمع, والذات والآخر, والأصالة والمعاصرة على قاعدة الوعي بالتراث والانفتاح على المستجدات في آنٍ معاً, وله العديد من البحوث والمقالات العلمية ما لا يقل عن الثلاثين بالعربية وخمسة عشر بالإنجليزية, تميزت إسهاماته وأعماله بالدقة العلمية والريادة المهنية في مجال التأصيل الإسلامي لعلم الاجتماع والتي كانت البذرة التي أسهمت في ولادة فرع علم الاجماع الديني وعلم الاجتماع الإسلامي, وتتويجاً لهذه السيرة المعطرة في فضاء علم الاجتماع العربي للعالم الراحل د. الساعاتي نال العديد من الجوائز والأوسمة منها وسام الجمهورية من الطبقة الثانية عام 1992، ونيله الجائزة الدولية التقديرية في العلوم من المجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة عام 1992، كما فاز -رحمه الله- بجائزة الملك فيصل العالمية للدراسات الإسلامية عام 1993، وبعد مسيرة طويلة ناجحة قضاها عالمنا الراحل د. حسن الساعاتي داخل الصروح الأكاديمية في مصر في بعض البلدان العربية توفي عام 1997 عن عمر يناهز الـ 80 عاماً بعد أن ترك أعمالاً بارزة واسهامات علمية غنية شكلت مرجعاً هاماً للباحثين والدارسين والمتخصصين في علم الاجتماع وميادينه الحيوية.