خالد الأنصاري
لقد أحسن القائمون على مجمع الملك عبدالعزيز للمكتبات الوقفية بالمدينة المنورة، في استضافة قامة من قامات التحقيق العلمي شيخنا أ.د. بشار عواد معروف، في دورة تدريبية بعنوان «التحقيق العلمي»، وعلى مدار ثلاثة أيام متتالية والمقامة بجامعة طيبة.
وقد عرفت شيخنا الدكتور بشار عواد للوهلة الأولى من خلال كتابه «الذهبي ومنهجه في كتاب تاريخ الإسلام» وهذا الكتاب رسالته للدكتوراه عام 1976م من كلية الآداب بجامعة بغداد.
وهو صاحب القدح المعلى في تحقيق التراث الحديثي، والتاريخي في العصر الحديث، ومن بقية المدرسة الجادّة والتي اختصّت في تنقية النّص الإسلامي درايةً وفهماً وتحقيقاً.
وتحدّث شيخنا الدكتور بشار في هذه الدورة العلمية عن بعض تجاربه الخاصة في «التحقيق العلمي» والتي تهم الباحثين والمكتسبة من خلال رحلته العلمية وممارسته الشخصية لما يقارب ستين عاماً من التدريس والتحقيق والتأليف.
ستون عاماً وما كلت عزائمكم
تدعوا إلى الله تأليفاً وتحقيقاً
وأفاد شيخنا وأجاد في هذه الدورة العلمية بالعديد من النكت والفرائد عن «التحقيق العلمي» مستحضراً العديد من النسخ وأماكنها وأسماء الرجال وطبقاتهم وتواريخ وفياتهم ساردًا عناوين الكتب ورواياتها المختلفة وطبعاتها.
وأُجمِل ذلك فيما تيسر لي كتابته وتلخيصه حرفيًا أو صياغته بالمعنى في النقاط التالية:
* غالبية المخطوطات تعتبر من النشرة الأولى، ومن ذلك كتاب «التمهيد» للإمام ابن عبدالبر (ت 463هـ) فالنسخة الأولى منه حصلت عليها زيادات من المؤلف ما يقارب مجلدين؛ وكذلك حذف المصنف منها المقدمة، حيث أثبتها في كتاب «الاستذكار» وفيها ما يتعلق بترجمة الإمام مالك.
وكتاب «الاستذكار» كتب بعد كتاب «التمهيد».
وفي نسخة إسطنبول هناك إحالات أكثر من (1500) موضع على «التمهيد» من «الاستذكار».
* مجرد وجود السماعات لا يدل على كون النسخة أصيلة.. وجودتها وفائدتها في إثبات صحة النسخة للمؤلف.
* المعتبر في وجود التعليقات من الأئمة على كتاب معين وليس السماعات.
* النسخة القديمة ليست مقدمة في كل حال؛ بل النسخة المتقنة المقابلة جيدًا.
* النسخ المكررة تستبعد ويكتفى منها بنسخة واحدة.
* المقابلة بين النسخ تكون نسخة نسخة وليس بجميع النسخ مرة واحدة.
* الانتباه لبعض المخطوطات فقد تكون منسوبة لغير مؤلفيها.
* القواعد في ترتيب النسخ:
1 - يعتمد على النسخ التي تفردت بروايات معينة.
2 - النسخة التي كتبها الناسخ المتقن وليست النسخة القديمة.
3 - استخدام النسخ التي كانت عند العلماء والناقلين عن الكتاب وهي نسخ فريدة وجعلها أصلا.
* عبارة «النسخة الأم» وهي التي كتبها المؤلف بخطه فقط.
هناك أجود النسخ أو نسخة غير جيدة أما عبارة «النسخة الأم» فشيخنا لا يرتضيها ويعتبرها من عمل المستشرقين في طريقة تحقيقهم، وطريقتهم خطأ لأنهم يتركون النظر للقارئ وليس للمحقق!!
* غالب النسخ الجيدة ذات الخطوط الحسنة نساخها جهلة.
* تحقيق الإبرازات يعتمد على خبرة المحقق ومعرفته بالفن وبالنصوص.
* التعليق على النص يكتنفه رأيان:
الأول: رأي المستشرقين فهم يتخذون نسخة واحدة فقط يقابلون عليها بقية النسخ ولا يعلقون شيئًا فوق ذلك ومثاله كتاب «الوافي بالوفيات».
الثاني: رأي من يعلقون على النص ويبالغون في ذلك بالتعريف بتراجم المغمور والمشهور، وذكر حواضر الإسلام وذكر المسافات بينها والتوسع في ذلك.
* «أنبأنا» لا تختصر كما نص عليه في المصطلح حتى لا تشتبه بـ»أخبرنا».
* الألف المقصورة تكتب ألف قائمة غالبًا في نهاية الكلمة والغالب على النساخ حذف الهمزات.
وعلى المحقق كتابة الكلمات على الوجه الصحيح.
* قاعدة في المختصرات مثل حدثنا: «كل ما فيه ألف (أخبرنا)، وكل ما حذف منه ألف فهو (حدثنا)».
* «رُوّينا» ظهرت عند ابن الصلاح وقبله كانت من شيخه الكلبي.
فقد ذهب إليه ابن الصلاح فسأله عن «رَوَينا» أو «رُوّينا»؟! فقال له: «رُوّينا».
وأصلها عمر بن دحية الكلبي (ت 633هـ) وهو غير مشهور بالعلم ولم يترجم له المزي.
وتكتب «رَوَينا» كما كان يكتبها ابن عبدالبر.
وأبو عمرو ابن الصلاح -رحمه الله- ليس مشهورًا بالحديث وليس له مؤلفات في هذا الفن غير مقدمته الشهيرة.
* كتاب «المؤتلف والمختلف» لعبدالغني بن سعيد المصري (ت 409هـ) كتب كتابه هذا قبل كتاب الإمام الدارقطني (ت 385هـ) وإن كان قبله وفاةً.
كتاب ابن ماكولا (ت 475هـ) جمع فيه ما كتب قبله وهو العمدة في الباب وذيل عليه ابن نقطة.
* لقد ذيل أبو المظفر منصور بن سليم الإسكندراني (ت 673هـ) على كتاب «تكملة الإكمال» لابن نقطة (ت 629هـ) وهو من أعاد مذهب المالكية في بغداد بعد اندراسه.
* كتاب ابن ناصر الدين الدمشقي (ت 842هـ) أفضل من كتاب ابن حجر كثيرًا جدًا.
* تحقيقات الكتب القديمة والتي حققها المصريون غالبها من الكتب التي اعتنى بها المستشرقون ولم يهتموا بها، وإنما نسخوها كما كانت فقط!!
* عند دراسة الأحاديث يرجع إلى مصدر المؤلف أولًا قبل النظر في أصل الحديث.
* كتاب «الجامع الكبير» للترمذي (ت 279هـ) أحسن من نسخه الكروخي (ت 548هـ).
وقد وجد شيخنا 40 حديثًا من الزيادات لم يذكرها أحد ممن اعتنى بالكتاب من المتقدمين.
كل ما قال الترمذي: حسن؛ فهو معلولٌ حسب ما ظهر لشيخنا.
* كتاب «السنن» لابن ماجة (ت 273هـ) طبعة محمد فؤاد عبدالباقي (ت 1967م) خلط فيها ما ذكره ابن ماجة وزيادات ابن القطان (ت 628هـ).
وابن ماجة نقل (1500) حديث من ابن أبي شيبة.
* كتاب «معجم الشيوخ» للذهبي (ت 748هـ) له في العالم نسختان:
في إسطنبول هناك نسخة فيها زيادات.
وهناك نسخة أخرى مختصرة وهي أصح؛ وعلى هذا فليس كل نسخة فيها زياداتٌ تعتبر أصح.
والمختصرة هي الأصح وقد حذف منها ما يقارب 200 ترجمة.
* النسخة المصورة من الجامعة العربية لكتاب «تاريخ الإسلام» فيها حاشية السبكي (ت 771هـ) في كلامه على النووي (676هـ) وليست للذهبي.
وما أثبته شيخنا خطأ منه في تحقيقه.
وأحسن نسخة له لبدر الدين البشتكي (830هـ) تقع في 21 مجلدًا.
* عبدالله بن سلام (ت43هـ) رضي الله عنه ومحمد بن سلام (ت225هـ) شيخ البخاري لا يوجد غيرهما في الدنيا.
* من فروض علم التحقيق:
الإشارة إلى مناجم النص «الموارد» سواء ذكرها المؤلف أم لم يذكرها.
فإن الإمام الذهبي -رحمه الله- قد يشير في التراجم إلى ما يدل على أنه نقلها من مؤلف معين.
ومن ذلك قوله: «وثقه الخطيب» ونحوها من العبارات كقوله: «روى عنه ابن النجار والمنذري.
وأحاديث ابن النجار (ت 972هـ) غالبها غرائب.
في تحقيق «تاريخ الإسلام» أشار شيخنا إلى جميع المصادر التي نقل عنها الذهبي وقال: «ما تركت ترجمة إلا وبينت من أين أخذها المؤلف سواء صرح بذلك أم لم يصرح».
من نوافل التحقيق:
1 - التعريف بالعلم المغمور وإن لم نجد فيه اختلافاً.
2 - التعريف بالبلدان غير المشهورة حتى تثبت النص.
3 - التخريج في «كتب الحديث» فيقام بتخريج الحديث والكلام عليه دون مبالغة وتوسع فيه، وبيان حكمه حتى لا يغتر بعض الناس ويعملوا به دون النظر لصحته، وهذا ضروري بالنسبة لكتب الحديث والكتب المسندة في العلوم الأخرى.
* الروايات للنسخ:
ومثال ذلك «الموطأ» للإمام مالك (ت 179هـ) رحمه الله تعالى، له 16 رواية مشتهرة؛ وقد يسر الله لشيخنا إخراج 5 روايات منها.
والاختلاف في رواية الألفاظ من الإشكالات الكبيرة في «الموطأ».
وكذلك اختلاف روايات «الموطأ» حتى في الرواية الواحدة وقد وقف شيخنا بشار على ذلك في رواية ابن بكير (ت 231هـ).
اختلاف روايات الكتب:
إنّ موطأ الإمام مالك -رحمه الله- لم يكنْ مكتوبًا في كتاب واحد، وإنما في عدة قراطيس كل كتاب في قرطاس؛ وهذا هو سبب الاختلاف الذي ظهر لشيخنا بشار من اختلاف النسخ.
ويدل على ذلك قول الإمام الشافعي (ت 204هـ) -رحمه اللّه-: «دخل الإمام مالك المسجد ومعه أربعة من تلاميذه يحملون الموطأ».
وعليه فإن ترتيب كتب وأبواب كتاب «الموطأ» في النسخ وقع من تلاميذ الإمام مالك وليس من الإمام نفسه -رحمه الله-.
فإن الإمام مالك كان يغير من الألفاظ حين يسأل؛ لأنه يحدث بالموطأ قرابة 30 سنة في المدينة المنورة.
ومالكٌ حيث أفتى في مدينته
فلست ترضى بفتوى غير فتواهُ
ولهذا كل «موطأ» يعتبر رواية مستقلة كما كان يقوله العلماء.
وعلى هذا اختلفت الروايات الموجودة لأن كل راوي أثبت ما سمع من لفظ الإمام.
* موطأ الليثي (ت 234هـ) لم ينقل عنه العلماء إلى القرن السابع، ولذلك لم يعتمدوه.
* كتاب «جامع الأصول» لابن الأثير (606هـ) أصله لرزين العبدري الأندلسي (535هـ) غير اسمه ابن الأثير فقط ولهذا نقل عنه الليثي.
* صحح محمد بن وضاح المرواني (ت 287هـ) أخطاء يحيى بن يحيى الليثي التي أشار إليها العلماء كابن عبدالبر، ولم يصب -رحمه الله- في ذلك.
* جميع نسخ «تاريخ الطبري» (ت 310هـ) كلها غير جيدة، وكل المؤرخين من بعده ينقلون عنه، وصاحب الأغاني أبو الفرج الأصفهاني (ت 356هـ) كان ينقل عنه مباشرةً.
وكذلك ابن الجوزي (ت 597هـ) والذهبي (ت 748هـ) والمزي (ت 742هـ) وابن عساكر (ت 571هـ) وغيرهم كانوا ينقلون من «تاريخه».
وهذا يفيد أهمية نقول العلماء عن غيرهم في الكتب.
والقسم الأول من «تاريخ الطبري» ما قبل الإسلام لا قيمة له؛ وضعيفٌ جدًا وهو غالبًا منقولٌ من يهود اليمن، وبعضه من التوراة.
ونفهم من هذا أن التوراة كانت مترجمة في عصر الإمام الطبري للعربية.
وأهمية التاريخ تبدأ من سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم-.
وابن الجوزي جميع ما نقله في كتابه «المنتظم» مأخوذ من الطبري في «تاريخه» إلى سنة 302هـ.
وهكذا جميع المؤرخين اعتمدوا على الطبري في الحقبة الأولى.
* كتاب «تقريب التهذيب» كتبه الحافظ ابن حجر العسقلاني (ت 852هـ) في 6 أشهر، وكان غير مشهور في عهده والذي بعده؛ وإنما أشتهر مؤخرًا، وقد استدرك عليه شيخنا بشار بعض الأخطاء في تحريره، وطبعه أهل الهند مؤخرًا.
وخرج بتحقيق الشيخ أبو الأشبال (ت 1440هـ) وانتقده شيخنا لأنه اعتمد على غير نسخة المؤلف مع وجودها وشيخنا اعتمد عليها.
المعلمي (ت 1386هـ) -رحمه الله- من المحققين الكبار الذين استفاد منهم شيخنا حفظه الله ومتعه بالصحة والعافية.
* بلاد الأندلس ليست مشهورة بالحديث؛ فبقي بن مخلد (ت 276هـ) ومحمد بن وضاح (ت 287هـ) هم من نقل الحديث إلى أرض الأندلس.
إجازة لجميع الحضور:
وقد أجاز شيخنا أ.د. بشار عواد معروف كل من حضر بقوله: «أقدم إجازة لجميع الحاضرين في هذه الدورة فلهم الحق أن يرووا عني جميع ما يحق لي روايته عن شيوخي، وهم كثيرون -والحمد لله-، لكنني أذكر منهم من المتميزين:
1 - شيخنا علامة الهند غير مدافع حبيب الرحمن الأعظمي.
2 - شيخنا محمد بديع الدين المكي.
3 - شيخنا محمد مالك الكاندهلوي المكي.
4 - شيخنا محمد عبدالحليم الجشتي.
وأنا أجيزكم ليس فقط بما أجازوني به مشايخي؛ ولكن أجيزكم بجميع مؤلفاتي وتحقيقاتي وأبحاثي..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وكانت هذه الدورة العلمية سببًا في إعادة قراءتي لكتاب شيخنا الدكتور بشار، وكنت بعيد العهد به منذ أن اقتنيته قبل أكثر من عقدين من الزمن، وهو كتاب «في تحقيق النص»، وأعتبره وبقية كتب الشيخ عن «ضبط النصوص وتحقيقها» متممة لما لم يذكره شيخنا عن المنهج العام في تحقيق النص «والشيءُ بالشيءِ يُذكَرُ».
ولما رأيتُ البدرَ في الليلِ ساطعًا
تذكرتهُ.. والشيء بالشيء يُذكَرُ
وقد رافقني لهذه الدورة الممتعة أخي الشيخ الدكتور محمد بن أحمد الأنصاري واستفدت من مجالسته كثيراً، وتسنى لي مقابلة عدد من المشايخ والأساتذة الذين قدموا لحضور هذه الدورة العلمية، ومن جملتهم:
1 - الشيخ الدكتور حمزة بن زهير حافظ.
2- سعادة الدكتور أنور البكري.
3- الشيخ الدكتور عامر بهجت.
4- سعادة الأستاذ علي آل مانع.
ولا يسعني في ختام هذا المقال..
أولاً: إلا أن أكرر شكري لجميع القائمين على هذا المجمع العلمي المبارك «مجمع الملك عبدالعزيز للمكتبات الوقفية» وعلى رأسهم الرجل الوقور سعادة الدكتور فهد بن مبارك الوهبي الأمين العام للمجمع على حفاوته وكريم رعايته لهذه الفعالية العلمية.
كما أشكر الأستاذ أيمن فقيهي ممثل إدارة الاتصال المؤسسي في المجمع على حسن استقباله وبشاشته.
وأتمنى من إدارة المجمع إقامة العديد من مثل هذه الفعاليات العلمية، والتي تعتني بـ»البحث العلمي» وكل ما له صلة بالعلم والكتاب ونشر الثقافة والمعرفة.
ثانيًا: قد أثر عن ابن عباس -رضي الله عنه- أنه كان يختم مجالسه بالشعر؛ فأختم بهذه الأبيات المختارة من قصيدة للشاعر المغربي عبدالمجيد آيت عبو المراكشي في الثناء على شيخنا أ.د. بشار عواد معروف يقول فيها:
النَّاهِلُونَ زُلاَلَ الوَحْيِ أَقْمَارُ
خُطَّتْ لَهُمْ فِي مَعَالِي الفَخْرِ أَخْبَارُ
وَالأَرْضُ قَفْرٌ خَوَاءٌ لاَ أَنِيسَ بِهَا
إِنْ لَمْ يَطَأْهَا مِنَ الأَعْلاَمِ زُوَّارُ
مِنْ أَعْظَمِيَّةِ أَرْضِ الرَّافِدَيْنِ سَرَى
فَيْضٌ مِنَ العِلْمِ لِلْحَمْرَاءِ يَخْتَارُ
أَبُو مُحَمَّدٍ الـمَيْمُونُ مَقْدَمُهُ
وَهْوَ ابْنُ عَوَّادٍ البُنْدَارُ بَشَّارُ
أَجَادَ فِي عِلْمِ تَحْقِيقِ النُّصُوصِ، وَفِي
عِلْمِ الحَدِيثِ لَهُ فَهْمٌ وَأَسْرَارُ
آثَارُهُ الغُرُّ فِي عِلْمِ الحَدِيثِ سَمَتْ
غُصْنًا جَنِيًّا تَدَلَّتْ مِنْهُ أَثْمَارُ
إِنَّ الحَوَاشِي بِمَا خَطُّوا قَدِ ازْدَحَمَتْ
وَالنَّاسُ فِي مَنْهَجِ التَّعْلِيقِ أَطْوَارُ
فَرُم مُحَقَّقَ مَا خَطَّ الكِبَارُ عَلَى
كُتْبِ الأَمَاجِيدِ لاَ يَغْرُرْكَ إِكْثَارُ
طُوبَى لَنَا بِابْنِ عَوَّادٍ وَمَا نَسَجَتْ
يُمْنَاهُ إِذْ غَيْثُهُ فِي النَّاسِ مِدْرَارُ
أَجَدْتَ فِي تُحْفَةِ الأَشْرَافِ مُنْتَقِدًا
وَسِرْتَ فِيهَا عَلَى آثَارِ مَنْ سَارُوا
صَرَفْتَ عُمْرَكَ لِلتَّهْذِيبِ تَخْدُمُهُ
لِكَيْ تَقَرَّ بِهِ فِي العِلْمِ أَبْصَارُ
فَكَانَ مَعْلَمَةَ الأَعْلاَمِ مَفْخَرَةً
فِي رَبْعِهَا سِيَرٌ تُتْلَى وَآثَارُ
وَالغَرْبُ يَمْتَنُّ بِالتَّمْهِيدِ إِذْ وَفَدَتْ
لِنَبْعِهِ الغَضِّ أَعْلاَمٌ وَأَنْصَارُ
طَابَتْ حِيَاضُ ابْنِ عَبْدِ البَرِّ وَاتَّسَقَتْ
مَنْ فَيْضُهُ فِي بِحَارِ الفِقْهِ زَخَّارُ
وَفِي الـمُحَلَّى مُجَلَّى مَا تُفِيدُ بِهِ
سِفْرَ ابْنِ حَزْمٍ، وَلِلْمِصْرِيِّ تَذْكَارُ
أَهْدَى الخَزَائِنَ أَسْفَارًا مُرَصَّعَةً
خُذْ مِنْ جَنَاهَا الَّذِي تَرْضَى وَتَخْتَارُ
سَلِيلُ عِلْمٍ سَدِيدُ الفَهْمِ مُتَّقِدٌ
زَانَتْ بِتَحْقِيقِهِ كُتْبٌ وَأَسْفَارُ
فَهْمٌ مَتِينٌ وَآرَاءٌ مُسَدَّدَةٌ
كَأَنَّهَا فِي حَوَاشِي الكُتْبِ تِقْصَارُ
فَوَسْمُهُ فِي وُجُوهِ الكُتْبِ مَنْقَبَةٌ
وَذِكْرُهُ فِي رِحَابِ العِلْمِ سَيَّارُ
أَهْدَى إِلَى دُرَرِ المخْطُوطِ هِمَّتَهُ
فَخَطَّهَا وَهْوَ مَاضِي العَزْمِ مِغْوَارُ
أَفَادَ بِالمنْهَجِ العَصْرِيِّ خُطَّتَهُ
وَفِيهِ لِلسَّلَفِ الـمَاضِينَ إِبْرَارُ
إِنْ زَارَ عِشْقُ ابْنِ بُرْدٍ كُلَّ غَانِيَةٍ
فَلِلأَحَادِيثِ سَاقَ العِشْقَ بَشَّارُ
الـمَرْءُ يَحْيَا بِصِدْقِ العِلْمِ يُورِثُهُ
لاَ الـمَالُ مِنْ بَعْدِهِ يَبْقَى وَلاَ الدَّارُ
ما أجملها من ليالٍ قضيناها بطيبة الطيبة ننهل من فوائد عَلَمٍ من أعلام التحقيق والعناية بالنصوص وكتب الحديث والسنة، وكتب التاريخ والرجال في هذا العصر الحديث.
إضاءة:
أفادنا شيخنا الدكتور بشار عواد في ختام هذه الدورة بأن له ثلاثة مشاريع علمية قادمة -بمشيئة الله تعالى- بعد تحقيقه لكتاب «الاستذكار» للإمام ابن عبدالبر (ت463هـ) والذي صدر حديثًا.
وهي على النحو التالي:
1 - تحقيق كتاب «تاريخ الملوك وأخبارهم» للإمام الطبري (ت310هـ) وقد تم الفراغ منه وسيطبع عن دارة الملك عبدالعزيز.
2 - تحقيق كتاب «التاريخ المجدد لمدينة السلام» للحافظ ابن النجار (ت 643هـ) وهو ذيل لتاريخ بغداد للخطيب، ويعمل عليه حاليًا.
3 - تحقيق كتاب «الأنساب» للحافظ السمعاني (ت562هـ) وسيطبع عن مجمع الملك عبدالعزيز للمكتبات الوقفية.