أ.د.عثمان بن صالح العامر
ظل العرب طوال أيام الحرب الباردة منقسمين على أنفسهم، البعض منهم مرتمياً في أحضان المعسكر الشيوعي، والآخر يتبع الرأسمالية الغربية، ومن استقل وُصم من قبل الطرفين بالرجعية كحالنا في المملكة العربية السعودية إبان تلك الحقبة التاريخية التي سادت فيها الشعارات البراقة، والكلمات الرنانة، والأفعال الفاسدة، ومن حاول أن ينتظم مع دول أخرى في مشروع ما سُمِّي بدول (عدم الانحياز) فقد كانت نهايته لا تسر كما هو معلوم، وتعزز الاغتراب العربي بعد انتهاء هذه الحرب بسقوط الاتحاد السوفيتي وفرض الولايات المتحدة الأمريكية مشروعها الموسوم بالعولمة. وبني على التنبؤات والدراسات التي حذرت من الإسلام باعتباره العدو القادم بعد أن توارت الشيوعية عن الساحة السياسية العالمية، توجهت بوصلة الغرب نهاية القرن العشرين اتجاه هذا الدين والدول التي ترفع شعاره خصوصًا المملكة العربية السعودية، ومع هذا التغير المدروس صار العرب في أسوأ أحوالهم، تُغزى بلادهم، وتُسرق ثرواتهم، وتُشوه رموزهم، وتُهجر عقولهم، بل يُقتل قادتهم، ويُحرف دينهم غلواً وتطرفاً وتشدداً على يد جماعات إرهابية تتسمى باسم الإسلام وهو منها براء، وظن الظان ألا قائمة لهم ولا قدرة لديهم في الخروج من عباءة الغرب وأيديولوجيته وأجندته زمن العولمة الصعب. وشاء الله عز وجل بقوته وقدرته أن يكون عهد العزم والحزم، عهد الإرادة والقوة، عهد الحكمة والحنكة، عهد مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وسيدي ولي العهد الأمين محمد بن سلمان في المملكة العربية السعودية، فيكون للعرب شوكة، ولصوتهم صدى، ولاجتماعاتهم ثمرة ونتيجة، ولوجودهم قوة. وما اجتماع قادة العالم العربي والإسلامي هذه الأيام من أجل إخواننا المرابطين في أرض غزة الحبيبة في عاصمة القمم الرياض إلا برهان أكيد ودليل ساطع على موعد لنا نحن العرب مع المجد حيث التوحد والتعاون والتكاتف والتآزر من أجل صفحة لهذه الأمة في التاريخ المعاصر إن شاء الله. إن قيادة بلادنا المباركة تقود العالمين العربي والإسلامي لمجد جديد، فقد انتهى زمن الشجب والتنديد والاستنكار كما كان يقال عن اجتماعات قادة الدول العربية، وصارت الاجتماعات لصنع غد مشرق في عالمنا العربي والإسلامي، وكما أكد سيدي ولي العهد الأمين بكل ثقة وقوة واعتزاز (... إدانتنا ورفضنا لهذه الحرب الشعواء التي يتعرض لها أشقاؤنا في فلسطين وراح ضحاياها الآلاف من امدنيين والأطفال والنساء والشيوخ، ودُمرت فيها المستشفيات ودور العبادة والبنى التحتية... إننا نجدد مطالبنا بوقف فوري للعمليات العسكرية وتوفير ممرات إنسانية لإغاثة المدنيين، ونؤكد الدعوة على الإفراج عن الرهائن والمحتجزين وحفظ الأرواح والأبرياء. إننا على مشارف كارثة إنسانية تشهد على فشل مجلس الأمن والمجتمع الدولي في وضع حد للانتهاكات الصارخة للقوانين والأعراف الدولية والقانون الدولي الإنساني وتبرهن على ازدواجية المعايير في تطبيقها، والأمر يتطلب منا جميعًا جهدًا جماعيًا منسقًا للقيام بتحرك فعال لمواجهة هذا الوضع المؤسف، وندعو إلى العمل معًا لفك الحصار وإدخال المساعدات الإنسانية للمرضى والمصابين في غزة.. والمملكة تؤكد رفضها القاطع لاستمرار عدوان الاحتلال والتهجير القسري لسكان غزة، وتؤكد تحميل سلطات الاحتلال مسؤولية الجرائم المرتكبة ضد الشعب الفلسطيني، وإننا على يقين بأن السبيل الوحيد لتحقيق الأمن والسلام ولاستقرار في المنطقة هو إنهاء الاحتلال والاستيطان وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود 1967، وعاصمتها القدس الشرقية».
إن ما يوجه سياسة قادة عالمنا العربي والإسلامي اليوم هي المصالح العربية - الإسلامية، ومستقبل شعوب العالم العربي الإسلامي التواقة للمجد منذ زمن، ولذا كان التواجد وتوحيد الكلمة العربية الإسلامية في أرض المملكة العربية السعودية إزاء ما يحدث على أرض غزة الحبيبة، فلسنا نحن العرب مصفدين في خندق الغرب أو حتى أسارى في معسكر الشرق، ولكن كما قال وزير الخارجية السعودي صاحب السمو الأمير فيصل بن فرحان إجابة على سؤال عن المملكة العربية السعودية بالذات (المملكة العربية السعودية لا تضع سياساتها بناء على مصالح الآخرين بل تضع سياساتها بناء على مصالحها.. فنحن نسعى خلف مصالحنا ومصالحنا نجدها في الغرب ونجدها في الشرق وأينما وجدناها سوف نعمل على تحقيقها). دمت عزيزاً يا وطني، ودامت كلمة العرب والمسلمين واحدةً، وصفهم متراصًا، ولبناتهم قوية، وجهودهم متسقة، وخطواتهم وثابة وطموحهم مرتفعًا، وإرادتهم حرة ومستقلة. حفظ الله غزة وأهلها، ورحم شهداءهم، وشفى مرضاهم، وحفظ أعراضهم وأموالهم وممتلكاتهم، وأخزى عدوهم وعدونا، وسلمت لنا الرياض بقيادتنا القوية العازمة الحازمة، وإلى لقاء والسلام.