خالد بن حمد المالك
حرب (طوفان الأقصى) ليست بين الفلسطينيين في غزة وإسرائيل فقط، وإنما هي -أيضاً- بين أمريكا وبعض دول أوروبا، ودول أخرى خارج القارة العجوز، تساند إسرائيل في هذه المجزرة، وتعبّر عن وقوفها مع هذا العدوان الغاشم بكل وضوح وصراحة، ولا يجد قادة أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وكندا واليابان وغيرها، حرجاً في التعبير عن مواقفهم المعاضدة والمساندة، لا أقول لدعم إسرائيل في حربها في غزة، وإنما أقول في قتلها الفلسطينيين المدنيين، كما يظهر ذلك في الصور والمشاهد الدموية في حرب الإبادة، مما تنقله وسائل الإعلام مباشرة من الميدان.
* *
آخر من تحدث من قادة الدول المشاركة في العدوان كان مستشار ألمانيا الذي لم يكتف بإعلان دعمه بصوته من ألمانيا وفي أكثر من مرة، وإنما جاء إلى إسرائيل مسرعاً ليعلن أمام الأشهاد من تل أبيب أنه يرفض وقف إطلاق النار، وكأنه لا يرى مقتل ما يقترب من 12 ألف مدني كافياً لإيقاف جرائم الاعتداءات الإسرائيلية وداعميها على امتداد الليل والنهار، معانقاً بذلك رئيس وزراء إسرائيل الذي يعلن على الملأ أن لا وقف للقتال ما لم تكن غزة في حال غير حالها الآن، وهو نفس التوجه الذي تراه أمريكا، ويصرح به رئيسها ضمن الدول التي تقف مع إسرائيل في خندق واحد.
* *
والغريب أن أمريكا ومن يقف معها في إطلاق يد إسرائيل للاستمرار في حربها ضد الفلسطينيين، لا يتحدثون إلا عن الأسرى لدى حماس، ويمتنعون عن الحديث عن تسعة آلاف أسير فلسطيني لدى إسرائيل، وبعض هؤلاء السجناء والسجينات يقبعون في سجون الاحتلال منذ سنوات طويلة، فيما يعلن رئيس وزراء إسرائيل أن مستقبل غزة سيكون بإنشاء سلطة مدنية تحارب ما أسماه الإرهابيين، وتبني السلام مع إسرائيل، ويتم نزع السلاح من الفلسطينيين في غزة، وأن يكون لإسرائيل حضور عسكري وأمني أيًّا من سيكون في يده حكم غزة، مع أن العقلاء وعلى رأسهم الأمين العام للأمم المتحدة، يرى أنه من الصعوبة بمكان أن تتولى أي جهة مسؤولية إدارة غزة بعد الحرب بوجود الجيش الإسرائيلي المحتل.
* *
ومما يلفت النظر أن إسرائيل بكل قواتها المسنودة من الغرب لم تستطع إلى اليوم أن تهزم في عدوانها المفتوح قوات فلسطينية محدودة العدد والإمكانات، رغم مضي أكثر من شهر على هجومها البري، كما لم تستطع أن تصل إلى أماكن الأسرى وتحررهم كما وعدت أهالي الأسرى، ما اضطر العدو إلى الدخول في مفاوضات مع حماس عن طريق قطر ومصر، وبتدخل أمريكي داعم لهذا التوجه، بعد أن فشلت الحرب في تحريرهم من الأسر، على أن أحداث السابع من أكتوبر لا تبرر القتل الجماعي للمدنيين، خاصة وأن قادة حماس لايزالون خارج قدرة الجيش الإسرائيلي، وبالتالي قتلهم أو أسرهم أو حتى إصابتهم، رغم أن الهجوم العسكري الإسرائيلي على غزة يتم برًّا وبحراً وجوًّا، وبكل أنواع الأسلحة الأمريكية المدمرة.
* *
وفي حرب الإبادة هذه، قتل من الإسرائيليين 44 بين ضابط وجندي منذ بداية الهجوم البري، وتم تفجير أعداد كبيرة من المعدات العسكرية الغازية، دون أن تصل إسرائيل إلى أي من أهدافها، إلا إذا كانت تل أبيب ترى في تجويع الفلسطينيين، وقتل المدنيين، وهدم المباني في غزة، وفي إخلاء غزة من المستشفيات والمراكز الطبية، انتصاراً لها، مع أن العالم لا يرى ما تفعله إسرائيل سوى أنه عدوان وحشي بامتياز، وأن المدنيين في القطاع أمام كارثة إنسانية لا مثيل لها في التاريخ، وأن العدوان عليهم إنما يمثل مسرحاً وأماكن للموت، ما لا يمكن القبول به، أو تأييده لولا أن العالم أمام معايير مقلوبة في التعامل مع المآسي الفلسطينية الإنسانية.
* *
إن دوامة العنف سوف تستمر، وإن أمن إسرائيل سيكون كما هو حاله اليوم، وربما أصعب، لأن التفكير بأمن إسرائيل دون إيجاد حل للقضية الفلسطينية، هو تفكير ناقص، ولا يلامس المشكلة، وخاصة أن ما تفعله إسرائيل تجاوز كل الحدود في ردها على حماس، ولن تكون هناك معالجة للمشكلة إلا من خلال الحل السياسي الشامل، وذلك بإقامة الدولة الفلسطينية في الضفة وغزة والقدس، والتخلي عن أي توجه بتهجير الفلسطينيين من غزة والضفة الغربية، وهو توجه استعصى على إسرائيل أن تنجح في تحقيقه على مدى 75 سنة، رغم زرعها للبؤر الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية، واستيلائها على منازل الفلسطينيين، واستخدام العنف معهم، ومعاملتهم بوحشية، ورفض أي تسويات لمنحهم حقوقهم المشروعة.