وهب الله تعالى للإنسان كل الأدوات لاختيار خطة صالحة لحياته تنتظم فيها مسارات العمل ومعالم الطريق وأعظم هذه الأدوات وأثمنها عقل مدبر مفكر يزن به الأمور بميزان صحيح وقلب محرك محفز للعمل وجوارح معينة له، وأصحاب الرأي والنصح السديد، وكتب فيها تجارب وعبر وتوجيهات مرشدة للطريق الصحيح، وشريعة منزلة تحدد وتضبط السلوك والأعمال. فعند التخطيط للمستقبل واختيار التخصص المناسب يكثر الناصحون والمتحدثون لتشمل الدائرة كلاً من الأسرة، الأصدقاء، الجامعات، مراكز الدراسات، وسائل الإعلام، وغيرها من أدوات التأثير وفق منطلقات وتوجهات مؤثرة على عملية اتخاذ القرار، والطالب لديه قدرات وخبرات ومهارات قد تتناسب مع ما يملى عليه وقد تتعارض، فتزيد الحيرة ويصعب الاختيار.
تجتمع لدى كل شخص العديد من الأمنيات والأهداف تنازع المرء وتتجاذبه ولا سيما عند اتخاذ قرار هام مركزي في الحياة، وحين يكون المرء واعياً عاقلاً فإنه يرسم مستقبله بعد التوكل على الله عز وجل ضمن هدف محدد ورؤية وواضحة مدعماً بمهارة التفكير والتخطيط الجيد، ومن هنا كان التخطيط مهارة لا يجيدها إلا الجادون في حياتهم، الذين آمنوا أن الحياة جهاد وتنافس للخيرية وأن الوقت ثمين، وللجهد قيمة، وللتخطيط الجيد أثر عظيم فرسموا لأنفسهم طريقاً ومنهجاً وسلوكاً وجهداً مشكوراً يجدون نتيجته كلما تقدموا نحو تحقيق أهدافهم.
يواجه كثير من الطلبة الحيرة والتردد عند وصولهم مرحلة اختيار التخصص الجامعي المناسب لهم، والذي يبنى عليه مسارهم المهني وسيكون له الأثر الكبير على مستقبلهم وحياتهم، ونجد الكثير من حالات الفشل الدراسي والإخفاق سببها الفشل في اتخاذ القرارات الصائبة ورسم معالم الطريق لما نطمح ونرغب، والمنهجية التي رسمها القرآن الكريم والسنة النبوية تؤسس للنجاح والفلاح في هذا الطريق، ونجد فيهما دعوة للتأمل في المستقبل والتخطيط الجيد له، واتخاذ القرار المناسب وفق منطلقات راشدة سليمة. وفي كثير من الأحيان نجد أن الطلبة لا يختارون التخصصات الدراسية وفقاً لأسس علمية موضوعية أو بناءً على معرفة سابقة بطبيعة هذه التخصصات وموضوعاتها، فهناك كثير من العادات الخاطئة في اختيار الطالب لتخصصه، فهناك من يختار تخصصاً نظراً لما يتمتع به من شهرة وبريق، وهناك من يلتحق بتخصص معين بناءً على توجيهات معارف وأصدقاء، أو نصائح مقربين، أو قد يلتحق بتخصص لمجرد أنه رأى زملاء له التحقوا به من دون أن يأخذ في الحساب ميوله وقدراته، كما يغفل عن وجود فروق فردية ورغبات متفاوتة وقدرات مختلفة وظروف حاكمة بين الأفراد تجعل ما يناسب فرداً ما قد لا يناسب غيره.
الكثير من الطلبة يتخذ قراراته وفق نمطية معتادة وليس وفقاً لاستراتيجيات علمية مبنية على دراسات وتجارب وخبرات، والموازنة بين عدة بدائل واتخاذ البديل الذي يحقق الهدف المنشود هو المدخل لمعرفة استراتيجية اتخاذ القرار، ولاتخاذ قرارات صائبة فلا بد من دراسة أي قرار دراسة متأنية وإعطائه حقه من الاستشارة والوقت والتفكير والدراسة المنطقية، بمعنى لا تتسرع. ثم لا تتخذ قراراً وأنت منفعل، وكما يقال في التأني السلامة وفي العجلة الندامة، ويأتي بعد ذلك دور أصحاب الخبرة والتجربة فهي تختصر الوقت وتكسب منطلقات جديدة، ثم يتم دراسة كل البدائل الممكنة والمتاحة والموازنة بينها بحكمة وتفكير دقيق ضمن نطاق قدرات الطالب ورغباته والفرص المعززة لهذا الاختيار وأهدافه المستقبلية، وأخيراً لا تماطل كثيراً في اتخاذ القرار.. انطلق لمجال تخصصك وليكن الإبداع منظورك، والتميز عنوانك، والاجتهاد مسلك طريقك، والتوكل على الله عنوانك، ولتدرك جيداً أن المجتمع الحضاري الذي يصبو إلى الريادة والأفضلية والنهضة لهو بحاجة ماسة لأصحاب التخصصات المتنوعة العلمية والمهنية.
**
*مؤلف وباحث/ Email: phd.fadi@gmail.com