د. إبراهيم بن جلال فضلون
إن «النظام السياسي والقانوني في إسرائيل غير متكافئ في الأساس، ويحذف بشكل صارخ مبدأ المساواة الرسمي من وثيقة الحقوق، وينص قانونها الدستوري على أن الاستيطان اليهودي هو قيمة عُليا للدولة»، وبالتالي فإن التهجير القسري، ومصادرة الأراضي، والوضع القانوني المتدني والسجن هي حقائق تُحيط بجميع الفلسطينيين، سواء «داخل» إسرائيل أو في الأراضي المحتلة، دون أي تعايش يُذكر فما كان للفلسطينيين المغلوب على أمرهم إلا احتجاج يُؤكد وحدة النضال ضد الاستعمار من أجل المساواة والحرية المسلوبة من نظام سياسي منهار داخلياً وخارجياً أمام الرأي العام العالمي، فلا أي قوة تقف أمامها مهما أوتيت من قوة دعم أو أسلحة كانت، وقانون دولي قد أعلن «وفاته»، أو قرارات من الأمم المتحدة التي خرجت عن الخدمة لبنودها، حتى ولو انتهى التصويت كل مرة بالفشل الداعي دون الرضوخ للأغلبية فيها، من أرقوا إنهاء الاحتلال الإسرائيلي غير القانوني للأراضي الفلسطينية 168 دولة صوتت لهُ، مقابل تسع دول امتنعت وسبعة عارضت القرار وهي: (دولة الاحتلال، الولايات المتحدة، جزر مارشال، ميكرونيزيا، ناورو، كندا، والمجر).
وأقول إن سياسة الاحتلال الحالية تعني أن (شارون لم يمت)، بل هو حي في دموية الآلة الأمريكية الصهيونية، وإدارتها للخطط غير المحسوبة بل الهوجاء، ليكون القادة العسكريون في إسرائيل مُجرمي حرب يجب محاسبتهم تماما، وفق ما خرجت به القمة العربية الإسلامية، ووفق بنود القانون الدولي «المشلول»، الذي أعطت الضوء الأخضر والتفويض لهذه الجرائم علنية، يتباهى بها الاعلام الإسرائيلي الغربي ممن انكشف أمرهُ واحتج محرروه لتزوير وتزييف الحقائق، وليكون تأثيرها أكبر على المسار السياسي الإسرائيلي، واعتماده على التطبيع الذي هو رهن المشكلة الفلسطينية بحدود 76، وكأنهم نسوا سلاح المقاطعة والنفط، بل نسوا قوة العالمين العربي والإسلامي، ممن اجتمعوا في قمة الرياض الاستثنائية، في ظل ظروف تعيشها المنطقة وواحدة من أسوأ الكوارث البشرية، شاركت فيها 57 دولة، خرجت بجملة قرارات استثنائية إلزامية، أبرزها كسر الحصار المفروض على غزة، ووقف الحرب على القطاع وإنهاء الاحتلال، وضرورة العمل على إدخال المساعدات الإنسانية، بما في ذلك الوقود، «فوراً» إلى القطاع، ووقف تصدير الأسلحة والذخائر إلى إسرائيل.
وكأنما كانت كلمات الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد رئيس القمة، قد أكدت على العمق والجرح والرفض القاطع لـ»الحرب الشعواء» ضد الفلسطينيين، مخاطباً قادة ورؤساء الدول العربية والإسلامية: «إننا أمام كارثة إنسانية تشهد على فشل مجلس الأمن والمجتمع الدولي في وضع حد للانتهاكات الإسرائيلية الصارخة للقوانين والأعراف الدولية والقانون الدولي الإنساني، وتبرهن على ازدواجية المعايير والانتقائية في تطبيقها، وتهدد الأمن والاستقرار العالميين، ولذلك فإن الأمر يتطلب منا جميعاً جهداً جماعياً منسقاً للقيام بتحرك فعّال لمواجهة هذا الوضع المؤسف، وندعو إلى العمل معاً لفك الحصار بإدخال المساعدات الإنسانية والإغاثية وتأمين المستلزمات الطبية للمرضى والمصابين في غزة، ورفض التهجير القسري للسكان، وتحميل سلطات الاحتلال مسؤولية الجرائم المرتكبة»، كلمات اختصرت المعاناة التي لم يرها العدو والبيت الأبيض ومعهما الغرب العجوز، فلا سبيل لتحقيق الأمن والسلام والاستقرار إلا بإنهاء الاحتلال والحصار والاستيطان وحصول الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة وإقامته دولته المستقلة بحدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية».
وبالتالي إعلان القمة إنشاء وحدة رصد إعلامية لتوثيق جرائم الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين لمحاكمتها والتحقيق في جرائم الحرب والمجازر الهمجية الوحشية واللا إنسانية التي لا ينكرها بشر، وبتكليف سعودي لوقف الحرب على غزة، وكسر الحصار على غزة وفرض إدخال قوافل مساعدات إنسانية عربية وإسلامية ودولية، تشمل الغذاء والدواء والوقود إلى القطاع بشكل فوري، مما يعني الثقل السعودي العربي ومشاركة أندونيسيا كأكبر دولة آسيوية، ونيجيريا الإفريقية الغنية، ناهيكم عن القطر المصري الأردني ودورهما في القضية.
لقد غيَّرت إسرائيل للمرة الأولى منذ السابع من أكتوبر طريقة حربها بإعلان هدنة الساعات الست قبيل قمتيّ الرياض تحت شعار الأسباب الإنسانية التي لا تفقهها، بل رضوخاً للمناخ العالمي العربي والإسلامي، بل والمجتمع الغربي المُكتظ بالاحتجاجات والذي لم يعد يتحمل سياسة الجريمة الجماعية، وتجاهل إرادة الشعوب والدول، لتتجدد حرب غزة بأزمات وجودية لم تكن «على بال الاحتلال» منذ زمن طويل، أولاها وأهمها أنها في ظل قيادة ضعيفة وجاهلة. وآخرها أنها في ظل أسوأ حاكم في تاريخ اليهود بعد شارون، فكل يوم يمضي على الحرب، تزداد «حماس» قوة، وإسرائيل ضعفاً وعزلة، فالبركان الذي تخيف حممه هو الشرق الأوسط. وليس حتى أوروبا، قلب الغرب ومفترق الشرق.