نوف بنت محمد بن فهد الثنيان
جميل أن نُحسن الظن بالآخرين.. والأجمل أن نجد من هم على قدر العشم..
فعبر هذه الحياة الممتدة.. والمتأرجحة بين العثرات والقفزات والأحلام والخيبات نصل أحياناً إلى قناعة متأخرة بأنها لا تتسع أبداً للعتاب أو السؤال لمن لا يستحق، وذلك حين ترى شخصاً بدا لك مثالياً في يومٍ مكتظٍّ بالآمال.. وأضفت له تلك الصورة وعبر حسن ظنك به خصالاً مثلى.. إلى أن تصطدم بواقع مرّ تتضاءل معه تلك الصورة النموذجية في خيالك بل وقد تتلاشى تماماً!.. لتترُك لنا من آثار الخيبة علامات تعجّب واستفهام كبيرة!
لكنها برغم مرارتها وتعثّر خطواتنا معها.. تبني فينا دون أن نشعر إرادة قوية وشخصية أقوى قادرة على فهم معادن ومواقف الناس كما ينبغي لنكون أشد ًإدراكاً وثباتاً.
نحن نضطرب حياءً وحرجاً من اهتمام أشخاص بِنا لم يسبق لنا أن قدّمنا لهم بادرة تسعدهم أو أسدينا لهم معروفاً يستحق الامتنان، في المقابل يحدث أن يباغت أحاسيسنا الودودة جحود أشخاص آخرين أغدقنا عليهم محبة وعطاء وأهدرنا الوقت في إرضائهم.. واعتقدنا يوماً أنهم الحضن الدافئ وقت برد الشدائد، ومن أحسنّا الظن بهم عمراً بأنهم للروح أحباباً ووصالاً!
وحينما ترى تحولاّت وتقلّبات تفاجئك دون مبالاة لمشاعرك، ينبغي الابتعاد بضمير راضٍ وسكون الموقن بالحق.. عن كل من لا يقيمون للمبادئ والعلاقات الإنسانية وزناً.. بل ومن يجاهرون بمنزلتك لديهم بعيداً عن التهذيب وبأبشع صور الوقاحة، هؤلاء.. لا تهمهم قيمة ولا مبدأ.. وهم لم يستحقوا وصالك يوماً، قد يكونون مصابين بمرض (تورّم الذات) ويتوهمون أنهم محور الكون، فقط أدر ظهرك ثم أسقط أسماءهم من حياتك وأجعلهم إضافة في سجلات المفقودين..! فالجرح أحياناً أكبر وأعمق من الغفران, ويفوق قدرة تلك العضلة الصغيرة التي لا تحتمل مزيداً من الغدر والخذلان.. فالصدمات تباعاً لكل من أحسنت الظن بهم، والصفعات المُداهمة التي توقظك بسبب بعض الذين وهبناهم الثقة على طبق من حُب.. جَعَلت من قدرة القلب الواهن أضعف كثيراً من العفو..!
فالوفاء في العلاقات الإنسانية.. شذى الحياة.. يترك أثراً في القلب وعبيراً يشبه العطر.. لا يُقتنى ولا يُكتسب.. هو كالإيمان.. عقيدة يتمسك بها النبلاء فقط، دون اضطرارهم للثرثرة المبالغة والتشدق المغرور، مقروناً بحكمة النصيحة وشفافية الصدق ومحبة الخير للآخرين.. يحرّضها منبع الإيمان الحقيقي من منطلق الحديث الشريف (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)، فليس أروع من أن نجد أنقياء حولنا يهبون لنا باقات من الضوء.. وسكينة من يقين..
قطعاً لا نستطيع أن نُدرج التسامح في قاموس حياتنا مرارًا لفئات من البشر ضاقت بهم ذرعاً صبر قلوبنا.. ينبغي امتصاص تلك الصدمات وألاّ نحزن.. بل يجب أن نشكر الله.. لأنهم قد يكونون ممن شملهم الله بدعائنا (وقنا شر ما قضيت).
فمن شاء بذر الخير والحب سيحصد ثماره بلا شك، لا تستطيع شياطين الإنس والجن أن تضلّه، فتزكية النفس وتطهيرها تخضع لمشيئة الإنسان، وقد ذكرها الله في كتابه العزيز في سورة الشمس {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا، فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا، قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا، وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا}.
إضاءة:
في دروب الخذلان يصعب على المرء مواصلة السير وكاهله مُثقل بالغدر، أمّا أن يلقيها عنه رفضاً أو أن يسامح بحذر مُرهق، أو لعله يستبدل الوجهة ويتجاهل، لكن الأولى تتطلب ترويض النفس ومجاهدتها والثانية يكفيها التبلّد..!