خالد بن حمد المالك
لا تستطيع دولة واحدة من شركاء إسرائيل في حرب غزة أن تدعي بأن لديها ما يبرر مواقفها المشينة وغير الإنسانية مع عدوان إسرائيل، أو أن تقول إنها تتحرك بضمير حي يأبى الظلم والعدوان وقهر المدنيين الفلسطينيين في غزة، لا أمريكا ولا دول أوروبا ولا غيرها ممن وقف إلى جانب إسرائيل في قتل المدنيين في غزة يملك ما يُقنع به سلامة هذا الموقف الذي ينتصر فيه هؤلاء للعدوان الظالم، فما يجري من مجازر أبعد ما تكون عن مفهوم أن إسرائيل تفعل ذلك للدفاع عن النفس، فيما هي تحتل الأراضي الفلسطينية، وتعتدي على الفلسطينيين المدنيين وبالتالي فكان يجب أن يكون الموقف إجبار إسرائيل بالخروج من أراض ليست لها، وتمكين الفلسطينيين من إقامة دولتهم على أراضيهم.
* *
لكن لأمريكا وحلفائها مصلحة في عدم استقرار المنطقة، ومصلحة أخرى في زرع إسرائيل في أراض ليست لها، ومصلحة ثالثة في جعل إسرائيل خنجراً في خاصرة دول المنطقة، ومصلحة رابعة لتكون إسرائيل شرطياً لهم في هذه المنطقة، وبهذا المفهوم فلا يُنتظر منهم أقل مما يفعلونه الآن، ولا يتوقع منهم أحسن مما وصلت فيه جرائم إسرائيل إلى الحد الذي تقتل فيه الطفل والمرأة وكبار السن والمرضى في المستشفيات، فهذه ديمقراطية إسرائيل، وحقوق الإنسان لديها، وهي ما تعلمته من الغرب، وحاكت به الغرب، والتزمت به كسياسة لمنع إقامة الدولة الفلسطينية على أراضي 1967م وفقاً للشرعية الدولية، والقرارات ذات الصلة بذلك.
* *
تحاول أمريكا أن تُحسن صورتها، أن تتلاعب بالألفاظ في محاولة لحفظ ماء الوجه، فتتحدث عن حق الفلسطينيين بدولة لهم، لكنها هي من يُجهض إقامتها، ويُعارض ولادتها، ضمن المكر والخداع والدهاء الأمريكي الكاذب، وكأن العالم مغّفل غير عارف بالنوايا الأمريكية السيئة، غير مدرك لأهدافها المشبوهة، وكأنه مُغيّب عن حقيقة الموقف الأمريكي المعادي لحقوق الشعوب في الحرية، حتى مع رفض الشعوب للعبودية، وإصرارهم على نيل حقوقهم مهما كلفهم ذلك من دماء وشهداء وخسائر في الأرواح والممتلكات، ما لا يمكن فهم موقف الغرب إلا أنه موقف معادٍ لإرادة الشعوب، وما يجري الآن في غزة مثال صارخ ومدوٍ، ولا يقبل أي تأويل أو تفسير إلا أنه مُمارسة للقوة في ظلم الشعب الفلسطيني في أراضيه المحتلة.
* *
يقول وزير خارجية أمريكا إنهم يعملون للحد من قتل المدنيين، لاحظوا أن ما يفعلونه - إن صدقوا- فقط للحد من قتل المدنيين، وليس منع القتل، ويقول وزير خارجية إسرائيل موجهاً كلامه للفلسطينيين: جاء يومكم، وأمام إسرائيل أسبوعان قبل أن يتزايد الضغط الدولي عليها، وكأنه يقول: لكيلا نواصل بعد أسبوعين قتل الفلسطينيين، وفي بريطانيا أقيل وزير الداخلية لأنه صرح عن حرب غزة بما أغضب إسرائيل، ومستشار الأمن القومي الأمريكي يقول إن البيت الأبيض يعمل على مدار الـ24 ساعة لإطلاق الرهائن، أي ليس لإيقاف الحرب حماية للمدنيين، ووزير مالية إسرائيل يقول: الهجرة لعرب غزة إلى دول العالم هو الحل الأنسب الصحيح، لاحظوا أنه لم يقل الفلسطينيين، ولاحظوا أن نوايا إسرائيل بهذا التصريح الوقح تتجه لابتلاع غزة، وبهذا التفكير والممارسات تأتي المواقف الظالمة، وبها تختفي الإنسانية، ومن خلالها تظهر سياسة هذه الدول على حقيقتها، ما لا يمكن إخفاء ذلك، أو ستر عواره، خاصة بعد أن أعلنوا عن إمكانية استخدام القنبلة الذرية لقتل الفلسطينيين في غزة، وقالوا عن الشعب الفلسطيني إنهم مجموعة حيوانات ووحوش.
* *
حسناً، لنفترض أن إسرائيل وهي الدولة الإرهابية الأولى في العالم عادت لاحتلال غزة، وهي بوضعها الحالي أكبر سجن في العالم، يُمنع عن الفلسطينيين كل مقومات الحياة، هل ستهنأ إسرائيل بالاستقرار والهدوء والسلام؟ وهل هناك ضمانات بأيدي جزاريها وإرهابييها سوف تحول دون استمرار الفلسطينيين في الدفاع عن حقوقهم المشروعة؟ وإذا كان الجواب بأن حدة الصمود الفلسطيني سوف تتصاعد للدفاع عن حقوقهم مثلما كانوا عليه على مدى 75 عاماً، أليس الأجدر والأفضل والأنسب أن يكون الاتجاه نحو المصالحة مع الفلسطينيين على قيام دولتهم وعاصمتها القدس الشريف؟ ألا يوجد عاقل في الدول التي تورط إسرائيل بالإصرار على مواقفها وجرائمها وإرهابها ضد الفلسطينيين لتقول لها كفى؟!