أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
قال أبوعبدالرحمن: علم الاجتماع مرجع للمنهج التفسيري، وأكثر ما يكشف عن الحس الجماعي الفئوي التاريخي أو المذهبي أو الجغرافي؛ فالنكتة في مجتمع فطري بدائي: قيمة جمالية وإن كانت ساذجة؛ ولكنها تصبح باهتةً؛ أو باردةً في عمل (كوميدي) يقدمه على المسرح ملهمون أمام مجتمع ذي حضارة وفكر.. وفي تحليل (رينيه ويليك) وزميله علاقة الأدب بالمجتمع: قررا أن الوسائل كالرمزية والعروض تقليدية اجتماعية في صميم طبيعتها؛ وذلك لصلتها بوضع اجتماعي مغطًى بنظام اقتصادي أو اجتماعي (أي هو أعراف وتقاليد أو سياسي).. انظر على سبيل المثال (النقد الأدبي) لأحمد أمين ص24.
قال أبو عبدالرحمن: على أن لي في هذا الإطلاق تحفظاً: فإنه يوجد أدباء نزاع يغيرون ويتطلعون وينطلقون من استشرافهم لا من واقع مجتمعهم؛ ويوجد أدباء مزيفون يضخمون الهامشي، ويسقطون الواقعي.. إلا أن الأديب الأخر؛ وهو المزيف: يبرز تزييفه في الحياة العامة لا في الوسائل الأدبية كالرمز والعروض.. ونتيجة التحليل الأدبي عند الناقد الفرنسي (تين) كما في كتاب (نظرية الأدب) ص 119-120: أن الأدب يخضع لما يرثه الناس من المزاج والنفسية، وللوسط المحيط بهم من مناخ، وبيئة طبيعية، وأحوال سياسية واجتماعية، إضافةً إلى واقع الزمن؛ ويعبرون عنه بـ (روح العصر).. ومن عناصر المنهج التفسيري الارتباط بالسيرة كما فعل (رينيه ويليك) وزميله (أوستن وارين) في كتابهما (نظرية الأدب) ص93؛ فقررا العلاقة في ثلاثة أنحاء، هي: إيضاح العمل من خلال شخصية الكاتب وحياته؛ وذلك من أقدم مناهج الدراسة الأدبية وأقواها.. والحكم على السيرة من خلال الضوء الذي تلقيه على العمل؛ بشرط أن يكون الكاتب ذا ميزة كأن يكون عبقرياً.. ودراسة السير؛ لأنها تقدم مواد من أجل دراسة منهجية للعمل الأدبي؛ وكل ذلك بتصرف غير مخل.. ولم أجد فارقاً بين الأمرين الأول والثالث؛ فالإيضاح المذكور في النحو الأول عنصر من الدراسة المنهجية المذكورة في النحو الثالث.
قال أبوعبدالرحمن: ومن عناصر منهجي: التواصل مع التراث الإنساني قديمه وحديثه، وعلمي بأن من يجيد لغةً أو أكثر غير لغته الأم فهو محتاج إلى الترجمة لتراث إنساني لا يجيد لغته، وما أجاد لغته فلن يستفيد منه حتى يكون ذا تخصص في المادة.. والنص الفني ولا سيما في الشعر: عصي على الترجمة من جهة موسيقى المفردة، والصورة المجازية المطابقة.. إلا أن الأديب الذي يحسن لغةً ثانية سيكون أدق إحساساً بالقيمة الجمالية، وقد يفوقه من لا يجيد أي لغة ثانية إذا قرأ نصاً واحداً بترجمات كثيرة؛ وهذا واضح في كتيبي الذي شاركني تأليفه أخي الأستاذ (عبدالله الماجد) عن (فلسفة الكوز)؛ وهو خاص بـ (رباعيات الخيام)؛ وموجز القول: أنني لا أتمطق بلهجة خواجية لا أحسنها وإن صعب على لساني النطق ببعض أسماء الأعلام أو المصطلحات؛ وإنما أتعامل مع التراث الإنساني فكراً وأدباً؛ ومن المهم أن أذكر في هذه المناسبة بضرورة التمييز بين كلمة لـ(كافكا)، وكلمة عن (كافكا)، وبين كلمة تدعو إلى الغثيان الكافكي الصهيوني، وبين منهج نقدي يرفض الانخداع بـ (كافكا).. وأذكر أيضاً بأنه لابد من الشعور ببصمات (كافكا) على الأدب العربي الحديث؛ وإنما اخترت (كافكا) وأدبه موضوعاً لمنهج النقد التفسيري التعاوني بعد تحقيق لي مسبق عن تصنيف الأدب بمعيار القيمة الجمالية، واستبعاد الأوشاب المنسوبة للأدب وليس منه كما في كتابي (العقل الأدبي) 1/111 وما بعدها: لأن (كافكا) نموذج نادر لتباين الآراء حوله تبايناً لا وسطية فيه؛ فهو عند قوم الأديب الإنسان، وهو عند قوم الأديب الصهيوني العدو للإنسانية.. وهناك من يدرجه في مذهب بانتماء حر، وليس بدافع صهيوني؛ وهذا حينما يلتفت الدارس إلى ظاهرة في أدب (كافكا) تنتمي إلى مذهب ما كما في دراسة الدكتور (عبدالغفار مكاوي) لـ (كير كجارد) الفيلسوف الوجودي.. ومنهج النقد التفسيري التعاوني منهج علمي فكري مساند النظرية الأدبية التي غايتها إظهار القيمة الجمالية للنص الأدبي؛ وبهذا يكون خارج النقد الجماعي: التفسير المتكامل، وكل نقد تطبيقي يهدف إلى تقدير القيمة الفنية بإحساس جمالي، أو رؤية فكرية، أو تجربة سلوكية؛ لأن منهج النقد الجماعي وصفي تحليلي تفسيري يريد مدلول العمل الفني كما لو جاء بتعبير مباشر عادي، أو بتعبير فلسفي معقد؛ كل ذينك سيان.
قال أبوعبدالرحمن: ثبوت صهيونية أي أدب: تنفي تلقائياً لإدراجه في ساحة الأديب الإنسان؛ لأن حجز الصهيونية تأبى هذه الساحة الرحبة الكريمة، وتحصره في دائرة الصهيونية المعادية البشرية؛ لأن كل تمظهر إنساني لدى الأديب الصهيوني وسيلة لغاية غير شريفة.. وأذكر الآن قائد حركة التنوير الصهيونية (مويز مندلسون)؛ فإنه قد رسم المنهج بدعوته اليهود إلى الأخذ بثقافات ولغات الدول التي يعيشون فيها بصفة مؤقتة؛ حتى.. [قال أبو عبدالرحمن: كلمة (حتى) لا تدل على التعليل، ولكن التعليل من دلالة سياق الكلام؛ لأنه لا يريد الغاية؛ وإنما يريد معنى (كي)؛ لهذا وضعت علامة التعليل والتفسير والتعليل وهي (؛) قبل (حتى)].. يصبحوا مواطنين صالحين!!.. هكذا في كتاب (تاريخ الحركة الصهيونية) 1/ 16؛ وعلى هذا المنهج مثلاً (موسى هيس).. (1812-1875ميلادياً)، وكان ألمانياً اشتراكياً عاشقاً المدنية الفرنسية!!؛ وهو من أوائل دعاة الصهيونية، وانظر المصدر المذكور آنفاً 1/ 18 و24 عن برنامجه الاستعماري لفلسطين.. وفي (تاريخ اليهود) للمؤرخ اليهودي (تيودور ريناخ) تجد نموذجاً لتقمص اليهود التاريخ الحضاري، وكتيب (الفن والاستعمار الصهيوني) لـ (سعد الخادم) الصادر عن هيئة المكتبة الثقافية؛ وهو سجل لمخازيهم، وجشعهم، واحتوائهم الفنون المسيحية في أوروبا، وتجريدهم الكنائس من تحفها، وتبنيهم السريالية؛ فقد لفقها (ماكسي آرنست)، و(أندريه ماسون)، و(كاندينسكي)، و(مارك شاجال) من المخطوطات السحرية الغربية بالغين المعجمة؛ وللأسف نرى المؤلف يفخر بأنها أثر عربي بالعين المهملة، ويجزع من دعوى اليهود أنها أوربية؛ وإذا عرف أن للصهيونية أعمالاً ظلاميةً جبارة: فموضوع انتماء (كافكا) أتفه معضلة تواجه الفهم العربي لانتماء (كافكا)، وتحليل أعماله؛ بل تلك المعرفة تحل معضلة الفهم لمتغيرات الفكر المؤثرة في سلوك الناس ومشاعرهم دون حرفهم ومهاراتهم؛ لأن العمل الظلامي الصادر عن طبيعية اليهود العدوانية: أفرز شيأين غير مختلفين في الغاية؛ وهما: (الصهيونيون)، وأصدقاء الصهيونييين من حيث يشعرون أنهم أصدقاء أو لا يشعرون.. وعندما لا يشعر صديق الصهيونية بأنه صهيوني: تعترف به الصهيونية، وتمجد جهوده؛ وسر ذلك أنه اختار بحريته الفكرية رأياً، أو فلسفة، أو قناعة تأتت له بتضليل صهيوني ظلامي محكم السياج.. إنهم اعتقدوا بأنهم أمناء قيمون على أفكار وفلسفات متناقضة البناء، ممزقة بتراكملمصطلحات لغير ضرورة إلا لشغل العمر والفكر؛ وهي ثرية بمسوغات الاختلاف في وجهات النظر استدلالاً واعتراضاً؛ ولكنها تلتقي على أهداف صهيونية كالإباحية والإلحاد والعدمية والاستلاب؛ وهذه الأهداف لا تغيظ كثيراً يهودياً غير صهيوني؛ لأن ديانته ممسوخة ليس فيها توحيد ولا تنزيه؛ بل هي مليئة بالوثنية، وتأليه الإنسان كقولهم: (الإنسان إله صغير، والله إنسان كبير)؛ فما بعد هذا الكفر كفر.. إنها ديانة وحسب.. واليهودي مأسور بـ (لاهوت طبيعي) ينمي فيه العداء للبشرية، واستباحة تضليلها سواء أكان ذلك من العهد الجديد ؛ (فالمحرف فيه لاهوت طبيعي)، أم كان من وضع اليهود وتفسيرهم باعترافهم كما في التلمود الذي وضعه الحاخامات.
قال أبوعبدالرحمن : أعظم غبن لطالب العلم المفكر إذا أراد أن يكون شمعة ضياء لأمته أن لا يعيش واقع عصره الذي يفرض عليه: أن يكون مثقفاً شمولياً بامتياز؛ وهو لن يستطيع ذلك حتى تسمو همته بكسر حاجز التواصل مع التراث الإنساني؛ وهو لن يتحقق له ذلك حتى يبذل المال في تحصيل التراث الإنساني المترجم، ويبذل المال أيضاً في تكليف من يترجم له جملاً أشكلت عليه، وليس عنده للنص غير ترجمة واحدة.. ثم يكد ذهنه في الفهم، ويكثر من تسويد الملاحظات والقصاصات (الفيش)؛ كي تتسع دائرة خبرته، ويكون عقله مكتمل الأدوات فطرةً أو تربية؛ فيكون محاكماً لا حاوياً.. إنك قد تستشهد بالنص الخواجي اضطراراً وإن لم تظهر لك قيمته الفنية؛ لأنك لا تريد غير دلالته؛ لتنمية وعيك بهموم أمتك، وقلق عصرك.. وإلى لقاء عاجل إن شاء الله تعالى، والله المستعان.
**
كتبه لكم: أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري (محمد بن عمر بن عبدالرحمن العقيل) - عفا الله عني، وعنهم ، وعن جميع إخواني المسلمين -