أ.د.عثمان بن صالح العامر
تشهد الكرة الأرضية في 16 نوفمبر من كل عام تظاهرة عالمية للتسامح، إذ في هذا التاريخ من عام 1995م اعتمدت الدول الأعضاء في اليونسكو إعلان مبادئ التسامح، وقررت الأمم المتحدة بمبادرة من اليونسكو اعتبار السنة نفسها سنة الأمم المتحدة الدولية للتسامح، ولذلك فهذا المصطلح ذو صبغة عالمية، يكتب عنه هذه الأيام الكل، بجميع اللغات وفي جميع منافذ التعبير الافتراضي منه والحقيقي، ويحتفي ويحتفل به العامة كما يهتم به الخاصة، سواء أكان الاحتفاء والتعاطي معه بهذا المسمى أو تحت مصطلح «التعايش مع الغير» أو «التواصل بين الذات والآخر»، أو «السلام العالمي»، أو «التعارف الدولي»، أو حتى «العولمة الثقافية» أو غير ذلك.
وهذا الموضوع من أكثر المواضيع تشعباً واتساعاً، وكل يطرقه من زاوية تختلف عن الآخر، وعلى أساس مرجعية عقدية وأيديولوجية تباين غيرها، فهو حاضر لدى السياسيين، وموجود في كتابات المختصين في علم الاجتماع، ويتحاور حياله المثقفون والمفكرون وغيرهم، ولكنني أتساءل هنا، كيف ستكون الكتابة عن التسامح هذا العام والإبادة الجماعية تجري على أرض غزة بصورة وحشية بشعة بمرأى ومسمع من العالم أجمع؟، هل سيحتفي العالم بالتسامح والأطفال والنساء والشيوخ يُقتلون بلا ذنب ودول العالم الأول - كما يُنعتون - تبارك بل تشارك -للأسف الشديد- في مجزرة لن يمحوها تقادم الزمن بحال؟، ماذا عسى أن يصرح ويقول أعضاء اليونسكو في مناسبتهم العالمية هذه؟ أما عني فإنني أسجل هنا:
- إن الإرهاب الصيهوني ليس في قاموسه هذا المصطلح، ولا يعرف للتعايش معه طريقًا، فهم يعدون أنفسهم حسب ما تقوله لهم كتبهم المحرفة (شعب الله المختار) ونحن جميعاً لسنا سوى عبيد لهم.
- إننا نعيش اليوم على مفترق طرق، فالعداوة من قبل الصهاينة واضحة، وما تخفي نفوسهم أشد وأنكى، وغياب الإنسانية في استهدافهم المدنيين دون تفريق بين صغير وكبير لا يمكن لأي كائن من كان أن يبرر له، ويسوق معه الأعذار.
- إننا رغم كل الدعوات التي نطلقها الرامية للسلم، الساعية للتسامح والتعاون وحقن الدماء ونبذ الإرهاب، تعد في نظرهم ضعفًا، ولا يكترثون بها، فاللغة التي يقدسونها هي القوة، ولا شيء غير.
- إننا في العاصمة الرياض كان لنا موقف، أُرِيد منه بث العزة في الصف العربي والإسلامي، وحتى يدرك العدو مَنْ نحن، ولماذا نجتمع، وفي هذا البلد المبارك المملكة العربية السعودية بالذات، فلعل إن كان ثمة عقل مدرك واعي في خندق العدو الصهيوني يعي الآثار التي ستنعكس على الوجود اليهودي عالمياً اقتصادياً وسياسياً وإعلامياً، يسمع للصوت العربي - الإسلامي الداعي لوقف النار فوراً وحقن دماء الأبرياء على أرض غزة الإباء، يفكر ملياً فيما قاله سمو وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان؛ (أي مستقبل نتحدث عنه وغزة يتم تدميرها)؟ حفظ الله غزة وأهلها، وتقبل موتاهم شهداء، وعجل بشفاء مرضاهم، وأنزل السكينة في نفوسهم والرضا بالقدر والتسليم، ووقانا وإياهم شر الحروب وسواءات الفتن، وأمننا وأمنهم في دورنا ودورهم وممتلكاتنا وممتلكاتهم، ورد كيد أعدائنا وأعدائهم في نحورهم، ودمت عزيزاً يا وطني وإلى لقاء والسلام.