د. عيسى محمد العميري
مما لا شك فيه بإدراك جميع شرائح المجتمع في الوطن العربي على خطورة آفة المخدرات وأصبح الصغير قبل الكبير يعرف ما تمثّله خطورة هذه الآفة، وذلك نظراً لتزايد أعداد المتعاطين لتلك المخدرات على أنواعها. فالمخدرات على المستوى العالمي تمثِّل تلك الآفة تجارة رائجة لدى فئة ضالة في المجتمعات، فمن الناحية المالية وبناءً على آخر الإحصاءات في العام 2021 تشير إلى أن حجم تجارة المخدرات في العالم تصل إلى (500) مليار دولار! وهو رقم خيالي ولا يُستهان به ويشير إلى مدى أهمية هذه التجارة لتجار المخدرات في العالم. وهي تمثّل مجالاً حاسماً لتكوين الثروة وبناء الإمبراطوريات المالية. وهو ما يفسّر السباق المحموم لنشر تجارة المخدرات في العالم أجمع. وعلى صعيد متعاطي المخدرات من المدمنين فيبلغ عدد المتعاطين نحو ما يقرب من 275 مليون متعاط حول العالم. وهو أيضاً رقم لا يُستهان به وخطير جداً، وعانى من تلك الآفة أكثر من 36 مليون شخص من اضطرابات تعاطي المخدرات.. وبالمقابل نجد هنا تأكيداً على مدى اهتمام تجار المخدرات لاستهداف شرائح المدمنين والسعي لاستدامة إدمانهم الدائم تحقيقاً لرواج تجارتهم على هذا الصعيد وبالتالي تحقيق الأرباح المدرة والمستدامة. كما سجلت صناعة الكوكايين رقماً قياسياً في عام 2020، حيث نمت بنسبة 11 في المائة من عام 2019 إلى 1982 طناً. ووصلت مضبوطات الكوكايين، على الرغم من جائحة كوفيد -19، إلى مستوى قياسي بلغ 1424 طناً في عام 2020. وتشير بيانات المضبوطات إلى أن الاتجار بالكوكايين آخذ في التوسع ليشمل مناطق أخرى خارج الأسواق الرئيسية لأمريكا الشمالية وأوروبا، مع زيادة مستويات الاتجار إلى إفريقيا وآسيا. ومن جهة أخرى، نما إنتاج الأفيون في جميع أنحاء العالم بنسبة سبعة في المائة بين عامي 2020 و2021 إلى 7930 طناً، ويرجع ذلك في الغالب إلى زيادة الإنتاج في أفغانستان. غير أن المساحة العالمية المزروعة بخشخاش الأفيون انخفضت بنسبة 16 في المائة في نفس الفترة. وضمن الجهود الساعية في الوطن العربي ككل لمحاربة المخدرات فهناك العديد من برامج المكافحة. فعلى سبيل المثال هناك في دولة الكويت أكثر من هيئة لمكافحة المخدرات وبيان أثرها التدميري للمجتمع والدولة ككل من أهم تلك الهيئات هو المشروع الوطني التوعوي للوقاية من المخدرات تحت اسم «غراس» الذي يتعاون وينسق المواقف والمواجهات مع المنظمة الدولية المعنية لمكافحةالمخدرات في العالم. ولعل أهم مايبرز أهمية مواجهة ومكافحة آفة المخدرات في دولة الكويت هو الأرقام المستقاة من مراكز علاج المخدرات المنتشرة في الدولة، والدوائر الحكومية والمخافر، والقضايا المسجلة في وزارة العدل، وأيضاً المنافذ الحدودية، تلك الأرقام المتصاعدة في حالات التعاطي المكتشفة، وحالات الإدمان التي يتم معالجتها في تلك المراكز، وخطورة هذه القضية في دولة الكويت هو أن الكويت لم تعد ممراً لهذه التجارة، بل أصبحت بلداً مستهلكاً لهذه السموم وللأسف. الأمر الذي يتطلب تصدي الدولة لها بكل حزم وبكل قوة، ولهذا الغرض قامت الدولة بتغليظ العقوبات المتعلقة بهذه القضية والتي وصلت في بعضها إلى تطبيق عقوبة الإعدام لتاجر المخدرات الذي يثبت عليه الجرم المشهود. ومن ناحية أخرى فإن الجهود في الدول العربية الأخرى لا تقل أهمية عما تقوم به دولة الكويت عبر محاربة هذه الآفة.
وعلى الصعيد الدولي ووفقاً لآخر التقديرات العالمية، فإن حوالي 5.5 في المائة من السكان في العام والذين تتراوح أعمارهم بين 15 و64 سنة تعاطوا المخدرات مرة واحدة على الأقل في العام 2020، في حين أن 36.3 مليون شخص، أو 13 في المائة من العدد الإجمالي للأشخاص الذين يتعاطون المخدرات، يعانون من اضطرابات تعاطي المخدرات والتي أشرنا لها، ويقدر أن أكثر من 11 مليون شخص يتعاطون المخدرات بالحقن، نصفهم مصابون بالتهاب الكبد C. ولا يزال الأفيون مسؤولاً عن أكبر عدد من الأمراض التي يؤدى إليها تعاطي المخدرات. وقد أصبح من الممكن على نحو متزايد على مدى العقدين الماضيين الوصول إلى مواد الأفيون الطبية الأكثر استخداما لعلاج الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات تعاطي الأفيون، وهما الميثادون والبوبرينورفين. وقد زادت الكمية المتاحة للاستخدام الطبي ستة أضعاف منذ العام 1999، من 557 مليون جرعة يومية إلى 3317 مليون جرعة بحلول عام 2019، وفي مقابل هذا تشير التقارير إلى أن العلاج الدوائي القائم على العلم متاح الآن أكثر مما كان عليه في الماضي وهو أمر يحتاج لكثير من الدعم والمساندة على الصعيد العالمي. كما أنه من المرجح أن يؤدى الابتكار التكنولوجي السريع، مقترناً بمرونة وقدرة من يستخدمونه منصات جديدة لبيع المخدرات وغيرها من المواد، إلى بدء سوق عالمي تتاح فيه جميع الأدوية في كل مكان. وهذا بدوره يمكن أن يؤدي إلى تغييرات متلاحقة في أنماط تعاطي المخدرات ويترتب عليه آثار على الصحة العامة. ومن هذا كله فإن ما يهمنا هو تكثيف الجهود لمكافحة ومحاربة آفة المخدرات وذلك على صعيد الدول العربية كافة، نظراً لخطورة الوضع الحالي القائم الذي ينذر بتزايد الخطر وتصاعده خلال السنوات العشر القادمة وذلك بناء على الأرقام الصادمة والتي يتم نشرها بين فترة وأخرى إن على مستوى الدول العربية أو على مستوى منظمات الأمم المتحدة بهذا الصدد. والله الموفِّق.
**
- كاتب كويتي