أ.د.صالح معيض الغامدي
كثيرا ما تُجرى بعض التعديلات في السير الذاتية العملية cv، بل إن المحمود في هذا النوع من السير التعديل والتحديث المستمران، إما بالحذف أو بالإضافة أو بهما معا، طلبا لتحسينها وتجويدها. فهل يحدث مثل هذا التحديث في السيرة الذاتية الحياتية Autobiography بعد نشرها؟
نعم، قد يحدث شيء من ذلك في بعض الحالات ولكن لأسباب ودوافع مختلفة، قد يكون بعضها إيجابيا وقد يكون بعضها غير ذلك. والتحديث في السير الذاتية الحياتية قد يكون بإضافة بعض التجارب أو العناصر الحياتية التي لم يتمكن مؤلفوها من إدراجها في سيرهم في الوهلة الأولى لعدم تذكرها وقت الكتابة ، أو لوقوع بعض الأخطاء التي تكتشف لاحقا في التواريخ وفي بعض الحقائق المسرودة الأخرى، أو الحقائق التي لم تكن الظروف العامة تسمح بإدراجها من قبل. أو قد يكون الدافع لإضافة الرغبة في تجويد السيرة الذاتية أسلوبيا وسرديا، واستكمال بعض جوانبها أو خيوطها أو الفترات الزمنية التي لم تغطها السيرة في نشرتها الأولى. وبالتأكيد قد يكون هناك ظروف خاصة بكل سيرة ذاتية معينة تحتم إجراء هذه الإضافات من وجهة نظر كتابها.
وعادة لا تلفتُ هذه الإضافات انتباه القراء والنقاد كثيرا، ولا يقفون عندها، فهم يتفهمونها، ويتعاملون معها بوصفها إضافات تحسينية وإثرائية للسيرة ويرونها عموما مشروعة بل مطلوبة أحيانا.
ولكن ما يثير انتباه القراء والنقاد غالبا هو الحذف (في الأحداث والمواقف والمعلومات) الذي قد يعكس تراجعا في مواقف الكاتب عما ذكره في سيرته في طبعتها الأولى. والقراء في هذه الحالة عادة يسعون جاهدين إلى الوقوف على الأسباب التي تقف وراء بعض العناصر المحذوفة من السيرة.
وعلى الرغم من أن بعض الكتاب قد يشير إلى أسباب بعض الحذف، إلا أن كثيرا منهم يجرى ذلك بصمت. فما هي الأسباب الحقيقية التي تدعوهم إلى إجراء هذا الحذف؟ تبين لي من خلال قراءاتي لبعض السير الذاتية ونقدها وأحاديثي مع بعض كتابها أن من أهم هذه الأسباب ذكر كتاب السيرة الذاتية بعض أسماء الأقارب والأصدقاء والزملاء وغيرهم، في سيرهم وربطها ببعض أحداث حباتهم، في سياقات قد لا ترضيهم، لسبب أو لآخر، فيطلبون من كتاب السيرة حذفها أو تغييرها، إما لأنها تقتحم خصوصياتهم أو لأنها تعرضهم لنوع من أنواع الضرر المادي والنفسي. وقد تكون هناك بعض الأسباب الأخرى المرتبطة ببعض العادات والتقاليد المرعية في المجتمع التي ربما يتحاوزها بعض كتاب السيرة الذاتية أو يكونون غير مقتنعين بها. وقد تعدد الأسباب التي تدفع الكاتب إلى تعديل سيرته الذاتية وإعادة نشرها ولا سبيل إلى حصرها في مقال قصير مثل هذا.
ولتفادي هذا العملية التنقيحية القسرية للسيرة الذاتية والإشكاليات المترتبة عليها فيما يتعلق بقضية مصداقية السيرة الذاتية، لعل من المستحسن قيام كتاب السيرة وبخاصة كتاب المذكرات منهم باطلاع بعض الشخصيات أو الجهات الحاضرة بقوة في سيرهم الذاتية على السيرة قبل نشرها، والتوصل معهم إلى حلول توفيقية في القضايا التي يختلفون حولها، ترضي جميع الأطراف المعنية وتعفى كاتب السيرة الذاتية من إعادة نشرها وتنقيحها، وما يتبع ذلك من ضياع للجهد والوقت، وربما أحيانا للمال، فقد قرأنا على سبيل المثال خبرا طريفا مفاده أن زوجة طالبت زوجها بتعويض مالي على فضح أسرارها في سيرته الذاتية. وأخيرا فقد يسهم عرض السيرة الذاتية على قراء محايدين قبل نشرها في تجويد السيرة ويقلل من ضرورة الحاجة إلى إعادة النشر القسري لها!