سلمان بن محمد العُمري
من الرسائل الجميلة التي قرأتها مرات عدة ولم أمل من تكرارها لما فيها من الفوائد هذه الرسالة كما جاءت بنصها:
(لفت انتباهي إشعار في الهاتف يقول: عليك إفراغ بعض المساحة لأن الذاكرة ممتلئة وذلك قد يؤدي إلى توقف بعض البرامج؛ فكرت في ذلك قليلاً، وقلت لنفسي ماذا لو أفرغنا ما في نفوسنا من مساحات زائدة لا معنى لها وتزعجنا كثيراً كذكريات مؤلمة، مشاعر مؤذية، عادات سيئة، حسد وضغائن وأحقاد تستنزفنا أصدقاء سلبيون، زملاء محبطون علاقات تضر ولا تنفع، وكل ما هو مزعج في حياتك، أليست صيانة دواخلنا وتنظيفها من الشوائب أولى من صيانة هواتفنا).
وكما قلت فقد قرأتها منذ مدة، ومن حسنات الهواتف المحمولة أن فيها خيار المسح السريع أو اللاحق حتى لا تشغل الذاكرة.
والبعض من التفاهات التي يرسلها لا تفتح الرسالة من أصلها لأنك تعرف مضامين صاحب الرسالة، والبعض تترقب رسائله لما تحمله من الفوائد والفرائد، وهكذا تعاملنا كل يوم مع البشر فيجب ألا تستوقفنا أي كلمة أو أي موقف، ولنستخدم التغافل والمسح وألا نشغل أنفسنا إلا بترقب الجميل والاستمتاع فيه.
أحياناً نحنُ بحاجة لشجاعة الحذف؛ حذف التّفاصيل، حذف شيء من المَاضي، حذف الرّسائل، حذف الأصْوات، حذف الحَنين، وحذف بعض الأشخَاص أيضاً.
يقول أحد المشايخ الأفاضل من كبار السن: أنا أضحيت: ليس في طوقي أي (طاقتي) أن أعقب على كل الرسائل والمقاطع لأن ذلك صار ثقيلاً على الجهد والبصر؛ فالعذر العذر، فقلت له ليس في الجوال فحسب بل في جميع أمورنا لم تعد أعمارنا وصحتنا قادرة على تحمل أمزجة الناس وسلوكياتها المتقلبة، وكما نخفف من استقبال الرسائل فالعزلة المقننة، وتأطير العلاقات والاجتماعات أصبح ضرورياً حفاظاً على مشاعرنا وصحتنا.
والبعض حينما يقابل الآخرين لا يعلم بأحوالهم وبظروفهم، وربما كان شيء من حديثه المعتاد مما يؤلم المتلقي فليتأنى الإنسان فيما يقول ويفعل، وأذكر أن زميلاً كان يستظرف في المجالس على سجيته وفي رسائله في كل حال حتى وقع في المحظور، فقد استدرك ما وقع فيه من خطأ، وبعد أن أشعرته أن فلاناً مريض منذ مدة فقال: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم شفاه الله وعافاه وأجر وعافية ولا يرى بأساً إن شاء الله تعالى، والحمد لله على كل حال والله ما علمت إلا هذه الساعة وأتواصل معه بالرسائل وأنا لا أعلم بأي شيء وربما أن بعضها فيه نكات ومزح وأنا لا أعلم. أرجوك يا أخي بلغه سلامي الحار وعظيم وخالص الدعاء وأعتذر لي منه على بعض الرسائل والنكات التي أرسلتها له وأنا لا أعلم عن ظرفه -شفاه الله وعافاه.
وهكذا هي الحياة لا تخلو من أحزان وأكدار وأفراح ومسرات، كما لا تخلو من الثقلاء ومن الأنقياء، وفي كل الأحوال يجب أن نفعِّل مميزات العقل لدينا بأن نمسح من الذاكرة جميع المواقف والذكريات السلبية، وبعض المواقف والأحداث يجب أن (نكنسلها) ونلغيها منذ قدومها علينا لتسلم أنفسنا وجوارحنا من تأثيرها السلبي.