اللواء الركن م. سلامة بن هذال بن سعيدان
لاشك أن تطور المملكة ونهضتها الشاملة، وجمعها بين الأصالة والمعاصرة، وقطعها شوطاً طويلاً ومسافة بعيدة في هذا الاتجاه، يغيظ أصحاب النفوس المريضة والأفكار البغيضة الذين يحسدون المملكة على نعمة الأمن والاستقرار، وما وصلت إليه من التقدم والازدهار ومنافسة الكبار.
ومكانة المملكة الدينية وموقعها الاستراتيجي وثقلها الاقتصادي ووزنها السياسي ومركزها القيادي، كل ذلك جعلها عرضة لحسد الحاسدين وتربص المتربصين وطمع الطامعين من التنظيمات الضائعة ودول الجوار الجائعة وقوى الاستعمار الطامعة، الأمر الذي يتطلب التفاف الشعب حول قيادته، وتعزيز الأمن الاجتماعي بما يقوي اللحمة الوطنية ويخدم الأمن الوطني، من أجل مواصلة المسيرة، والسير على بصيرة مع أخذ الحيطة والحذر، تحسباً لتطور الأحداث الراهنة، وتداعياتها المحتملة، والاستعداد لكل الاحتمالات، وما تؤول إليه من مآلات.
والمملكة منذ أن تأسست وهي حريصة على التمسك بثوابتها والوفاء بالتزاماتها تجاه هذه الثوابت، والمحافظة عليها مهما كلفها ذلك من تكاليف وتضحيات، إيماناً منها بأن هذه الأمور لا تقبل المساومة والمزايدة ولا مكان فيها لإنصاف الحلول والانخداع بمكذوب القول.
وثوابت المملكة التي تحرص دائماً على صيانتها والمحافظة عليها تتمثل في هويتها التاريخية والثقافية وانتماءاتها الدينية والوطنية والقومية ومصالحها الوطنية، والاضطلاع بمسؤولياتها الإنسانية والأخلاقية، ويندرج في إطار الثوابت المرعية والأعمال السوية تقديم المساعدة، ومد يد العون في الحالات التي تستدعي ذلك، واتباع سياسة معتدلة، والانفتاح على الجميع، وعدم التدخل في شؤون الآخرين، والنأي بالنفس عن سياسة الاستقطاب والإفراط أو التفريط في حالتي الذهاب والإياب مع النظر إلى الأمور بنظرة متأنية ومتعقِّلة، بعيداً عن النظرة الارتجالية والمتعجلة.
ولم يحدث في يوم من الأيام وتحت ظرف من الظروف أن فرطت المملكة في هذه الثوابت أو تنصلت عن مسؤولياتها تجاهها، رغم ما يصادفها من ظلم ذوي القربي وتجاوزات أعداء المروءة الذين يتجاهلون المناقب ويبحثون عن المثالب، وإن لم يجدوا مثلبة افتروها واحتالوا لكي يجدوها، وذلك من خلال التشكيك في مواقف المملكة من قضايا الأمة والنظر بعين الطبع والتشبث بما ينفر منه السمع، ولسان المقال وواقع الحال كما قال الشاعر:
عادوا مروءتنا فضلل سعيهم
ولكل بيت مروءة أعداء
لسنا إذا عُدَّ الفخار كمعشر
أزرى بفعل آبائهم الأجداد
وقيادة المملكة تنظر إلى القضايا العربية والإسلامية من منظور الانتماء القومي والديني وتتفاعل معها تفاعلاً عقلانياً ناصحاً لا تفاعلاً عاطفياً جامحاً أو مصلحياً شاطحاً، وذلك بحسب الإمكانية المتاحة وعلى ضوء الموقف والمؤثرات الأساسية والجانبية.
والمملكة تعتبر القضية الفلسطينية قضيتها الأولى وتوليها جل اهتمامها وتجعلها في محل العناية والرعاية منذ عهد المؤسس إلى عهد الملك سلمان وولي عهده، مقدمةً لها الدعم المالي والسياسي وجميع أنواع الدعم المادي والمعنوي، ولم تحجب المملكة دعمها للشعب الفلسطيني أو تبخل بهذا الدعم في أي مكان وزمان وتحت أي ظرف، بل يزداد الدعم في تناسب طردي كلما ارتفع سقف المقاومة واشتد الموقف، بما في ذلك الدفاع عن القضية في المحافل الدولية وإطلاق المبادرات السياسية والدعوة لعقد المؤتمرات الجامعة من أجلها واعتبارها قضية العرب المحورية.
وتقدم المملكة دعمها بالأسلوب المقبول وبمبادرة منها دون أن تساوم على دعمها أو تربطه بأهداف مصلحية وأغراض دونية، كما هو الحال بالنسبة للبعض مع تقدير المملكة لكفاح الشعب الفلسطيني ونضاله، وما يبذله من تضحيات ويقوده من مقاومات وانتفاضات لحماية المقدسات وتحرير الوطن المغتصب ورفع راية العرب.
والإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية المترتبة على رؤية 2030 تفرض على المملكة التعامل مع أي موقف يطرأ بتوازن دقيق، يراعي أهمية الموقف ولا يكون على حساب المصلحة الوطنية والرؤية الإصلاحية ذات البرامج المجدولة، وما يحدث في غزة تضعه المملكة على رأس قائمة اهتماماتها وتنظر إليه من منظور الانتماءين الديني والقومي بعيداً عن المساومة والمزايدة.
وقيادة المملكة وشعبها أكثر من تألم من أحداث غزة الدامية وتفاعل معها بهمة عالية وعزيمة متناهية يشهد على ذلك موقف المملكة الحازم ضد العدوان الصهيوني الغاشم، وما تضمن هذا الموقف من مقابلات ولي العهد واتصالاته ودعوة المملكة إلى عقد القمة العربية والإسلامية وما تمخض عنها من بيان ختامي، وكذلك زيارات وزير الخارجية المتواصلة ومقابلاته المتتالية فضلاً عن الدعم المالي غير المحدود والمساعدات الإغاثية والإنسانية.
والحاسد إن لم يجد طريقاً إلى وهن ولا سبباً إلى طعن، فلابد أن يحتال إلى ذلك بحسب ما ركب عليه طبعه وناسب سمعه، ومن هنا فإن مواقع التواصل التي تدار من جهات عميلة ذات أجندات دخيلة تحاول قلب الحقائق والتجني على المملكة وتشويه مواقفها تجاه ما يحصل في غزة رغم أن مواقف المملكة الداعمة للشعب الفلسطيني واضحة وضوح الشمس في منتصف النهار ولا يمكن تغطيتها والتشكيك فيها مهما حاول مطايا الأجنبي من المأجورين والعملاء، ولكن يكفي المملكة أن الشرف الرفيع لا يسلم من الأذى وأن الحسود يرمي محسوده من الخلف ولا يُرمى من الشجر الا الشجرة العالية والمثمرة وهؤلاء الذين فتحت شهيتهم الاحداث الراهنة للتطاول على المملكة والنيل منها ينطبق عليهم قول الشاعر:
إن يعلموا الخير يخفوه وإن علموا
شراً أُذيع وإن لم يعلموا كذبوا
وقال آخر:
إن الرياح إذا اشتدت عواصفها
فليس ترمي سوى العالي من الشجر
ومن عادة أعداء المروءة من أهل الحقد والحسد وأرباب المعاندة والنكد تغطية محاسن من حسدوه، واختلاق المساوئ لمن عاندوه كما هي الحال بالنسبة للمرتزقة والتنظيمات المتمردة على دولها، وكل مأفون عميل ومأبون دخيل، والمملكة تشق طريقها وتدعم شقيقها وتكسب موقف صديقها، ولا تلتفت إلى سفيه رمى نحوها بحجر، والكلب ينبح والقافلة تسير بين البر والمدر، وقد قال الشاعر:
ما يضر البحر أمسى زاخراً
أن رمى فيه غلاماً بحجر
وقال آخر:
أعرض عن الجاهل السفيه
فكل ما قال فهو فيه
ما ضر نهر الفرات يوماً
إن خاض بعض الكلاب فيه