د. خالد عبدالله الخميس
منذ القدم وحتى يومنا هذا، عُرف بأن اليهود هم شعب نرجسي يرى فوقيته على سائر البشر، ولديهم مهارة عالية في لعب الأدوار المزدوجة وتجييرها لصالحهم، ففي الوقت الحالي تجدهم يركبون أي تيار قوي أو تنظيم مؤثر، ففي أمريكا تجدهم مؤيدين للحزب الديموقراطي وفي نفس الوقت مؤيدون للحزب الجمهوري على حد سواء، هذا على الرغم من وجود تعارض وعداء بين مواقف الحزبين في كل شيء، ولذا فإن كلا الحزبين يختلفون في كل شيء عدا مواقفهم المؤيدة لإسرائيل، كذلك تجدهم أيضاً أعمدة في الفكر الرأسمالي وكذا أعمدة في الفكر الشيوعي، رغم تعارض الفكرين في كل شيء، إنهم يركبون أي موجة تسير في الاتجاه الأمامي وأي موجة تسير في الاتجاه الخلفي، ويلعبون دور الظالم ودور الضحية.
وأكثر من ذلك غرابة وتلوناً، أنهم يمشون مع المظاهرات التي تؤيدهم، كما يمشون مع المظاهرات التي تعارضهم، كما لو كانوا مثل من يقتل القتيل ويمشي في جنازته.
إن هدفهم من الانضمام للمظاهرات التي تندد بهم هو لتجميل صورة الإسرائيليين لدى الرأي العام العالمي بأنهم طيبو القلب وحسنو النوايا، هذا من جانب، ومن جانب آخر يريدون أن يرسلوا رسالة للعالم بأن الشعب اليهودي الإسرائيلي شعب مسالم ومختلف عن توجه حكومة إسرائيل.
ولو كان من رأي حصيف لتم طرد أي إسرائيلي من المظاهرة القائمة الآن والتي تندد بدولة إسرائيل وتشجب ضحايا أهل غزة، كي لا يحرفوا بوصلة المظاهرة ويوجهوها نحو مبتغاهم. ولو كانوا بالفعل صادقين في رفضهم للتدخل العسكري في غزة، لعملوا مظاهرات داخل إسرائيل بدلاً من خارجها ولقام متطرفوهم بعمليات مسلحة في إسرائيل كما تفعل داعش، لكن هذا هو ديدنهم حيث اللعب بالعواطف لمحاولة إظهار الوجه الحسن على حساب إخفاء حقيقة وجههم الفائح بالقبح، نعم، هذا هو طبعهم وهذا هو ديدنهم، حيث التفنن في البهت والافتراء والتلون والخداع.
إن أبلغ وصف ذكر في اليهود هو ما قاله أحدهم، وهو وصف عبدالله بن سلام -وكان يهودياً قبل أن يسلم - حين قال: «بأن اليهود هم قوم بهت»، أي أهل بهتان يَعرِفون الحق ويُنكِرونه ويتلونون بحسب مزاجهم وليس بحسب الحق والباطل.
إن صفة التلون لدى اليهود فاحت رائحتها وانفضح ستارها لدى المجتمعات الأمريكية والأوربية، ولذا تزايدت المظاهرات ضد اللوبي الصهيوني في أصقاع العالم، حتى قال الكثير من الأمريكان «نحن في موقفنا من إسرائيل بعد أحداث غزة لن يكون كما كان قبل أحداث غزة»، بمعنى أن أحداث غزة عرّت خبث الصهاينة اليهود في ذهنية الأمريكاني وأكدت مدى سيطرتهم على القرار السياسي الخاص بأمريكا، فأمريكا في واقعها الحالي لم تعد للأمريكان ومصلحتها تأتي بعد مصلحة إسرائيل، وأصبح الأمريكي دمية رخيصة لدى اليهودي الإسرائيلي. وكأن المدد الأمريكي هو ما عبر عنه القرآن «بحبل من الناس» في قوله : {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ} (112) سورة آل عمران. إن العرب والفلسطينيين عندما يخسروا في مواجهاتهم مع إسرائيل، لا يخسرون ذلك بسبب عجزهم وضعفهم، وإنما بسبب المدد والحبل من أمريكا على وجه الخصوص.
إن الهجمات الوحشية والإبادة الجماعية وصور التنكيل بالأطفال التي يقوم بها اليهود الصهاينة الآن ضد إخواننا الفلسطينيين، أيقظت عواطف المجتمع الأمريكي من غفلته وأدركوا أن القرار السياسي في أمريكا مختطف، وإن صانع القرار في أمريكا هو بيد الإسرائيلي، ولذا توجب على المجتمع الأمريكي الانقلاب على الهيمنة الإسرائيلية، ومما زاد هذا التوجه والانقلاب على الهيمنة الإسرائيلية أنهم راجعوا لتداول رسالة قديمة لابن لادن عام 2002، والتي أشار فيها لأسباب عدائه للأمريكان والتي تتمحور حول ديمومة وقوف الأمريكان مع إسرائيل ضد العرب مما دفعه هو وجماعته لعمل تفجيرات 11 سبتمبر عام 2000 انتقاماً لهذا التأييد المطلق. ورغم شجبنا للعمليات الإرهابية التي قام بها ابن لادن إلا إنها غيرت الآن من قناعة المجتمع الأمريكي حول موقفهم من إسرائيل بقناعة جديدة تتلخص في أن اعتداءات 11 سبتمبر تبدو مبررة، كون أمريكا دعمت إسرائيل لقتل الفلسطينيين العرب، فلولا سلطة أمريكا على العالم لما قامت لإسرائيل دولة ولما كانت تلك المجازر الإسرائيلية بحق الفلسطينيين.
إن هذه المراجعة من قبل الشعب الأمريكي، أدت لمظاهرات تندد بالدعم اللا محدود لإسرائيل وتصف بأن إسرائيل كيان غاصب.
وما يترقبه المراقبون الآن هو مدى ما تسفر عنه نتائج أحداث غزة عن ثورة عالمية وأمريكية ضد اليهود، أم أن اليهود سيلتفون حول ثورة غزة ويخمدوا شرارتها عبر خداعاتهم ومكرهم المعتاد.