الهادي التليلي
في كل امتحان تاريخي للبشرية سواء تعلق الأمر بحروب أو جوائح أو غيرها يتأكد للبشرية أن هناك آلة أو قل سلطة أو دولة بغير المسميات المتعارف عليها تصنع الأزمات وتستثمر في التاريخ والشعوب وتحرك الضمير الجمعي حسب ما ترتئيه من مصالح وأهواء قد تكون لا إنسانية وقد تكون لا قيمية ونعني هنا القيم الإيجابية والنبيلة وقد تكون عواقبها وخيمة ومؤثرة ربما حتى على استمرار الكائن البشري إنها براغماتية الغرف المظلمة والطاولات التي تجمع الفاعلين الحقيقيين في مشهد العالم الغرف التي تحدد من يحكم العالم والدول الكبرى ومن يتحكم في أسواق المال والطاقة والزراعة هي نفسها الغرف التي تحدد ماهي الأوبئة والحروب المناسبة للراهن إنها المخرج المتخفي في مسرحية العالم والمستفيد الأول من متغيراته، وهي المسير للاعب الشطرنج والذي يتوهم في خيلاء أنه من يحرك القطع بذكاء وفطنة وهو أيضاً المسير لنبوءات المتكهنين بالمستقبل القريب لأهل السياسة والتأثير وهي أيضاً المصنعة للكراهية بين الشعوب والأحزاب وحتى بين أبناء الشعب الواحد بل والزارعة للمسافة بين القادة وشعوبها وبين أفراد الشعب الواحد وهي كذلك المتنصتة على الأفراد وأفكارهم وطموحاتهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي والاتصال وغيرها وهي زيادة على ذلك المتحكمة في صحة الأفراد والمجموعات والمصنعة للهشاشة القابلة لكل صناعة آفات ممكنة فالحروب العالمية والإقليمية وغيرها كلها سليلة هذه الغرف حتى التحالفات والتقاربات بين القوى ليست إلا بهارات ينوع بها مطبخ العالم تاريخ تلك اللحظة.
الغرف المظلمة فما يحدث من وقائع في العالم هو في حقيقة الأمر معد سلفاً وبشكل دقيق ميكروسكوبي بهامش خطأ ضئيل جداً العالم يتحرك في مرجل التاريخ والمخرج يستثمر في المستقبل في صيرورة مذهلة إنهم يستمتعون باللعب بالعالم والإنسان ولا مكان عندهم للعواطف والمشاعر والإنسان سواء من كانوا ضحايا للأوبئة والجوائح والإنسان عالم يستعد لمرحلة ما بعد الأرض ويجهز بدائلها ويفكر في ما بعد الإنسان ويجهز بدائله ويخطط لما بعد الحياة ويكافحون من أجل بدائلها شيء واحد لا تستطيع هذه الغرف العجيبة والمبهرة والمتناسجة والمتعالقة أن تفعله هو القضاء على الضمير الإنساني الحي والذي يتوثب بين الفينة والأخرى لسكن منتجات الشر حتى ينقلب السحر على الساحر فوسائل التواصل الاجتماعي بصدد التحول من أداة غزو وتأثير علوي إلى وسيلة مقاومة لهذه الآلة وحتى الإعلام المردوخي بدأ بفقد سطوته على التأثير وصارت هناك مقاومة لهذه الغرف المظلمة بل وتقاطع المسالح داخل هذه الغرف قد ينهيها وينهي البشرية معها.